الاثنين، 19 ديسمبر 2011

سامح جويدة : الانفلات الأمني .. أبو رجل مسلوخة



سامح جويدة

 التاريخ المصري مليء بالفزاعات .. بل أتصور أنها ريادة مصرية مثلها مثل الملوحة و الفسيخ بدأت من هنا و انتشرت في أنحاء العالم .. و لان المصري هو أول من عرف الزراعة فكانت أول اختراعاته الفزاعية هي ( خيال المئاته ) لتخويف الكائنات الأخرى و أبعادها عن الحقول الزراعية و يقال ان (خيال المئاته) في ذلك الوقت من الاف السنين كان يحمل تجويف ضخم عند رأسه حتى يصفر حينما تمر الرياح داخله .. وظهرت البراعة الحقيقة للمصريين في صناعة الآلهة و تقديسها و القدرة الخارقة علي نسج الأساطير و القصص حول قوة تلك الآلهة و الشر المطلق في حالة إغضابها .. و تم تسخير كل ذلك للحاكم او الفرعون الذي صنف علي انه ابن الالهة حتى لو جاء من عند اليونانيين ( الاسكندر الاكبر و ملوك الدولة البطلمية ) علي أساس ان الآلهة المصرية القديمة كانت (عطاطة ) .. وفي البرديات المصرية القديمة يتوعد الكهنة كل من يفكر في إيذاء الفرعون ببلاء عظيم و لعنة أزلية تستمر معه هو و نسله من بعده .. ويحذر الكهنة عموم الشعب من النظر في عيون فرعون لان كل من نظر في عيون ابن الشمس احترق عاجلاً او أجلاً بنارها .. كانوا يخافون من ان ينظر الناس في عيون الفرعون فيكتشفون كذبه و خداعه و زيف إلوهيته المزعومة فكانت فكرتهم الخبيثة بالتخويف من النظر الى عينيه لان البشر اضعف من النظر في عين الفرعون و تلك فزاعة اخرى اخترعها المصريين القدماء و روج لها الكهنة و هم وزارة الإعلام الفرعونية التى تشبه الان الصحف القومية و اتحاد الإذاعة و التلفزيون و هو ما اطلقنا عليه حديثا ( الرمز ) فكل من يحكم هذه البلد يكون رمزا لها لا يمكن النظر في عينه او الاعتراض علي امره .. و علي مر الثلاثين عام الماضية استحدث نظام الرئيس السابق و (المفخد )الحالي مبارك فزاعات متنوعة لتخويف الناس و تسكينهم في الجحور .. فلعشرات السنين كان الإرهاب و الجماعات الإسلامية هم الفزاعة المخيفة و المقلقة لجميع المصريين و هي السبب الرئيسي في هيمنة النظام و سطوته و القوة الخرافية التي أعطاها لأجهزة الأمن التي كانت تشبه (البعبع ) و لكن لا غنى عنها في التصدي للإرهاب المفزع . بل أدركنا بعد ذلك ان العمليات الإرهابية ( كنيسة القديسين ) كانت بتدبير من الأجهزة الأمنية نفسها حتى تؤكد علي فزاعة الإرهاب و تخلق فزاعة اخري اسمها الفتنة الطائفية الأمر أشبه ما يكون بالتجويف الذي صنعه المصريين القدماء في خيال المئاته حتى يخرج صفيرا كلما مرت فيه الرياح .. و للأسف لم تنتهي لعبة الفزاعات مع النظام الحالي فمنذ انسحاب الداخلية في 28 يناير ظهرت لنا فزاعة جديدة اسمها الانفلات الأمني و لا اعرف من الذي ابدعها ووظفها و لكنها تبدوا ناجحة حتي أنهم أعادوا تفعيل قانون الطوارئ علي شرفها و لمواجهة البلطجي الذي كان يطلق عليه قديما إرهابي .. النظام المريب الذي يحكمنا الان بكل فراعينه الجديدة يبدوا انه متمسك جدا بهذه الفزاعة رغم انها تبدو غير مقنعة للكثيرين و تذكرني ببعض الآباء الذين يصرون علي تخويف اولادهم (بحجرة الفئران ) رغم ان أي طفل لن يصدق ان ابوه سوف يخصص حجرة لترتع فيها الفئران وحدها و هم جميعا ينامون في الحجرة الثانية .. او اسطورة ابو رجل مسلوخة الذي لا نعرف ماذا يفعل حتى الان و ما سبب التسلخات التي أصابته من عشرات السنين يكفينا فقط اشارة بأن من لا يسمع الكلام و يغسل رجليه قبل ما ينام هيجيله ابو رجل مسلوخة .. الانفلات الامني و قصص البلطجية و العربجية التي تختلط فيها الحقيقة بالشائعات بالقصص الاسطورية اشبه ما تكون بقصة ابو رجل مسلوخة .. و حينما انسحبت الشرطة بعد علقة الثوار روجوا في الشوارع قصص غريبة عن مجرمين هربوا بالالاف من السجون و بلطجية خرجوا علينا من القبور و رأيت بنفسي من شرفة بيتي عساكر من الحرس الجمهوري يطلقون الرصاص في الهواء الساعة الخامسة فجر 29 يناير .. ليقنعوا الناعسين و النائمين بأن البلد تنهار امنيا لأننا زعلنا الرئيس المبارك .. و ظهرت قصص غريبة عن لصوص و بلطجية بسيارات نقل يقفون تحت العمارات صارخين (انزلوا لنطلع لكم ) و موتوسيكلات الموت التي كانت تطلق النار في الأحياء الهادئة طوال الليل و قصص الهروب الذي كان يقوم بها كل المساجين بكل السجون في وقت واحد و كأنه عيد الهروب الكبير و كأنه مؤتمر دولي كل هذه القصص المختلطة المريبة مازالت مادة خصبة للإعلام و كأنهم يشجعون العاطلين او الفقراء علي المشاركة في هذا الانفلات الأمني و الحصول علي رتبة بلطجي .. لمصلحة من هذه الفزاعة و ما هو الهدف الحالي منها و هل يتصور النظام الحالي بأننا سنصدق انه مازال يجمع صفوف الشرطة و يعالجهم نفسيا بعد شهور طويلة من الثورة ام انه يتصور انه من نسل الفراعنة و اننا مازلنا نخاف من ابو رجل مسلوخة ... فأفيقوا قبل ان نغرق جميعا

ليست هناك تعليقات: