الأحد، 4 ديسمبر 2011

إعلان وفاة ثورة يناير.. والهوامش: مبارك يستعد لأداء العمرة.. رجال الوطني يشترون الفضائيات.. العسكري يواصل سياسات الغموض.. والشعب يريد إسقاط المشي


كتب: محمد الباز   

بعد أيام قليلة من رحيل الرئيس حسني مبارك عن عاصمة حكمه في القاهرة إلى عاصمة ملكه في شرم الشيخ حاملاً لقب الرئيس المتنحِّي أو المتخلِّي عن منصبه – طبقًا لتعبير عمر سليمان - جاءته دعوة من العاهل السعودي الملك عبد الله عبر سفير السعودية في مصر هشام الناظر لزيارة السعودية وأداء فريضة العمرة، إلا أن مبارك رفض هذه الدعوة تمامًا.
هشام الناظر كان قد زار مبارك وقتها على رأس وفد سعودي رفيع المستوى ضم خمسة دبلوماسيين، والتقى مبارك في مقر إقامته بشرم الشيخ، وكان وقتها ملك السعودية لا يزال في رحلة علاجية خارج المملكة استمرت ثلاثة شهور – ختمها بفترة نقاهة في المملكة المغربية - وحمل الوفد الدبلوماسي الدعوة للزيارة،


 في محاولة للتخفيف عن الرئيس مبارك.
كان الوفد السعودي يعرف حساسية الموقف فقالوا إن الدعوة للعمرة جاءت بعد إدراك السعودية رفض مبارك مغادرة مصر لأي سبب كي لا يفهم أنه يسعى للهرب، بعد ما أقسم أثناء فترة الثورة التي طالبته بالتنحي بأنه مصمم على البقاء في بلاده حتى نهاية عمره، لكن حتى هذا المنطق لم يكن مناسبًا للرئيس مبارك الذي رفض دعوة العاهل السعودي جملة وتفصيلاً.
الوفد السعودي أعلن وقتها وبشكل رسمي عن الدعوة التي حملها للرئيس مبارك، وكذلك رفضه لها، لكن ما لم يعلن وقتها بشكل رسمي، أن السيدة سوزان مبارك ألحَّت على زوجها أن يقبل الدعوة وأن يقضي ما تبقى من عمره في المدينة إلى جوار الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا أن مبارك رفض، وقال لها إنه ليس لصًّا ولا قاتلاً كي يهرب ولا يواجه المسؤولية.
الآن الوضع اختلف بعض الشيء بعد أن سارت محاكمة الرئيس مبارك في اتهامه بقتل الثوار والإضرار بالمال العام في اتجاه يمكن أن يكون في صالح الرئيس المخلوع، صحيح أن هذه كلمة القضاء النهائية، لكن كل المؤشرات تشير إلى أن ما يحلم به الشارع المصري من إعدام مبارك لن يتحقق.
مبارك نفسه يعي ذلك ويفهمه ولذلك يمكن أن نفهم التسريب الذي حرص مبارك عليه من أنه ينوي أداء العمرة خلال الفترة القادمة، وهو تسريب معناه أن مبارك واثق من أنه سيخرج من محبسه وسريعًا، وسيستطيع أن يسافر ويؤدي العمرة دون أن تكون بدعوة من أحد، ولكنها ستكون رغبته وحده.
يخرج مبارك لسانه للثورة وللثوار وللشهداء ولملايين الحالمين بمصر حرة وعادلة، يأخذ فيها الظالم جزاء ظلمه، ويعدم القاتل لأنه قاتل.
إنني لا أسير في ركاب الثوار وأطالب بأن تتم محاكمة مبارك ويصدر حكم بإعدامه، إذ ما الداعي لمحاكمته ما دام الثوار أصدروا حكمهم، كما أنني لست مع الثوار فيما يفعلونه مع المشير طنطاوي، يطالبونه بأن يدلي بشهادته أمام المحكمة وأن يقول الحق، لكنهم يحددون له هذا الحق، وهو أن يدين مبارك، وإلا فإن شهادته باطلة.
أعتقد أنه من الصعب أن يشهد طنطاوي بالباطل، وألا يقول الحق، فإذا كان فعل ذلك فلماذا انقلب على مبارك من الأساس، ولماذا أوصله إلى درجة أن يتحوَّل من رئيس إلى سجين، ولماذا أوصله إلى قاعة المحكمة نائمًا على سرير المرض ليتحول إلى عبرة يشاهده العالم كله وهو ضعيف وذليل، يترجَّى العفو دون أن يسأل فيه أحد؟
لكن هذا لا يمنعني من التأكيد على أن هناك خللاً ما، لقد أوقع المشير متابعيه في حيرة كبيرة بتصريحه في أكاديمية الشرطة منذ أسابيع عندما قال إنه رفض فتح النار على المتظاهرين، وأن المجلس العسكري كله كان على قلب رجل واحد عندما رفضوا أن يفتحوا النار على المتظاهرين.
وكان المنطق الوحيد أن هناك من أصدر أوامره للمشير وللجيش بأن يفتحوا النار على المتظاهرين، ولما لم يكن هناك غير مبارك الذي يمكن أن يفعل ذلك مع المشير والجيش، فإنه صاحب الأمر الذي رفضه المجلس العسكري، وعليه فإن المشير لن يتحدث كثيرًا في المحكمة، سيكون هناك سؤال واحد، وهو: من الذي طلب منكم أن تفتحوا النار على المتظاهرين لكنكم رفضتم؟ فيقول مبارك، لينتهي الموضوع.

طنطاوي يشهد ببراءة مبارك في حوار تلفزيوني لم يذع من قبل





لكن ما جرى في المحكمة لم يخرج محكومًا بهذا المنطق، فهناك دائمًا ما لا نعرفه، صحيح أن شهادة المشير التي تم تسريبها بشكل شعبي على شبكات التواصل الاجتماعي لا شيء فيها يمكن أن يدين مبارك، لكن في الوقت نفسه من الصعب أن نتصور أن هذه الشهادة وحدها يمكن أن تنقذ مبارك من العقاب، فالقضية متشابكة ومعقدة.
إن لدينا ضحايا، شهداء ماتوا في الثورة، ولا بد أن يكون هناك قاتل، ولن يكون مقبولاً من المحكمة مثلاً أن تقيِّد الجريمة ضد مجهول، فالجاني معروف، لكن لا أحد يريد أن يتحمل مسؤولية إدانته والاعتراف عليه.
***
ما حدث في محاكمة مبارك وحتى الآن، وتحديدًا بعد الشهادات التي أدلى بها من كانوا إلى جوار مبارك، وتحديدًا السيد عمر سليمان نائب الرئيس السابق وأمينه على جهاز المخابرات لأكثر من 20 عامًا، وكذلك المشير طنطاوي لا يمكن النظر إليه إلا أنه إعلان رسمي وصريح لوفاة الثورة المصرية.
لقد قامت الثورة في مصر واستمرت من أجل إقامة العدل، وأول مظاهر العدل أن تتم محاكمة مبارك على ما ارتكبه من جرائم ليس خلال الثورة المصرية فقط ولكن طوال عهده، لكن التراخي والتباطؤ وعدم الحسم يجعل الجميع يشعر بأن هناك من يصر على دفن الثورة التي قام بها الشباب دون أن تكون لها قيادة واضحة ومحددة.
والحقيقة أن إعلان وفاة الثورة لم يبدأ مما يجري في محاكمات مبارك وأولاده ورجاله، وهي المحاكمات التي لم تحدث إلا بضغوط شعبية واضحة عبر مليونيات حاشدة كانت ترج ميدان التحرير، وكأن الثورة لم تكن كافية لتحقيق مطالب من قاموا بها، فكلما أرادوا شيئًا قاموا بمظاهرة حاشدة، وهكذا جاءت المطالب بالتنقيط السخيف جدًّا.
لقد بدأ الضرب المباشر في جسد الثورة مع إعلان التخوين المتتالي لشباب حركة 6 أبريل، مرة بأنهم تلقوا تدريبًا في الخارج، ومرة بأنهم تلقوا دعمًا وتمويلاً من دول بعينها، وهناك محاولات الآن للإيقاع بعدد منهم تحت طائلة القانون، بل إنهم يفتشون عن ممتلكاتهم وما لديهم ليسألوهم من أين لهم هذا، سواء كان قليلاً أو كثيرًا.
وهنا في حقيقة الأمر مربط مهم لفرس الثورة، فلو أن شباب 6 أبريل الذين ساهموا بحظ وافر في صنع وإنجاح الثورة المصرية ليس في أيامها الـ18 فقط، ولكن في السنوات السابقة عليها تمكنوا من الوصول إلى الحكم ومقاعد السلطة ما أثيرت حولهم هذه الاتهامات، ولما حاصرهم أحد بأنهم باعوا الوطن، بل إنهم كانوا سيفعلون ما يفعل بهم الآن، كانوا سيفتحون كل الملفات مرة واحدة، ويفتشون ليس في حسابات من أوقعوا بهم، بل كانوا سيفتحون ويفتشون نواياهم أيضًا.
لكن ولأن العكس هو ما يحدث الآن، الذين قاموا بالثورة يتهم اتهامهم الصريح بما يشبه العمالة والخيانة، ويساقون إلى النيابات والمحاكم، ويضربون في الشوارع تحت مسميات مختلفة، فإن هذا معناه أن الثورة لم تنجح من الأساس، أو أن قبلة الحياة التي أخذتها من تنحي مبارك عن حكمه تم نزعها ومصادرتها مرة أخرى، فالثوار لا يزالون مطاردين، فكيف يمكن أن نقول إنهم نجحوا.
***
الوقائع الكثيرة التي تحيط بنا تؤكد أن ما يجري حتى الآن ليس في صالح الثورة ولا في صالح من قاموا بها، بل إنهم مهددون بالانتقام، لأن من تنحَّى ومن دخلوا السجون يخططون للعودة مرة أخرى، لن يتركوا الملك الذي تمكنوا منه بسهولة، قد تستبعد أنهم يمكن أن يعودوا مرة أخرى، فمن صعد لا يمكن أن يضحي بالمكاسب التي حصل عليها، لكن من يدري!
إن الثورات التي لا يحميها أبناؤها يتم الانقلاب عليها، وحقيقة الأمر أن هناك أوضاعًا يمكن أن تكون مواتية جدا للانقلاب على الثورة المصرية والانقضاض عليها.
فمن دخلوا طرة سواء من رجال مبارك المباشرين أو من رجال الحزب الوطني، موجودون في السجن بأجسادهم فقط، حريتهم مقيدة، لكن أموالهم التي تصل إلى المليارات موجودة في الخارج، رجالهم أيضًا موجودون في الخارج، يمكن أن ينفذوا وببراعة كل ما يطلب منهم، وهو أمر لن يكون في صالح الثورة على الإطلاق.

منى الشاذلي بكت بعد خطاب مبارك



هناك من ينظر إلى الأمور برومانسية مغرقة في التفاؤل، بأن من دخلوا السجن لا يمكن أن يخرجوا منه، وأنهم مستسلمون لأقدارهم التي قادتهم إلى ظلمات السجون، لكن هذا خيال في خيال، فما الذي يجبر سياسيًّا مثل صفوت الشريف على أن يستسلم لغرفة مظلمة في السجن، وما الذي يجعل رجلاً في تركيبة ودهاء زكريا عزمي أن يصمت، وما الذي يجعل داهية قانونية مثل فتحي سرور يتسلَّى بالحديث عن ذكرياته في السجن في جلسات مسائية.
دعك من هؤلاء، ما الذي يمكن أن يقنعنا بأن حبيب العادلي ومساعديه الموجودين في نفس السجن، ومؤكد أنهم يتقابلون كل يوم ويجتمعون كل يوم راضون بما وصلوا إليه بعد أن يحاكموا الجميع ويحسبوا عليهم أنفاسهم.
إن حبيب العادلي يتعامل حتى هذه اللحظة على أنه وزير داخلية، راقب جلسته في القفص في المحكمة، يجلس بمفرده في المقعد الأول، ثم يتراص الباقون من رجاله في الصفوف الخلفية، وكأنه جالس بسلامته ليوقع حركة تنقلات الشرطة كما كان يفعل وهو في عز سلطته وسلطانه وصولجانه.
حبيب العادلي تحديدًا يمثل خطرًا كبيرًا، فلا زال رجال الداخلية يعملون بما علَّمهم إياه، عقيدتهم الشرطية هي العقيدة التي زرعها فيهم حبيب العادلي - لاحظ أن ضابطًا بالإسكندرية هتك عرض مواطن لأنه أحس بشماتته في حبيب العادلي – إنهم يعتبرونه أباهم الذي في طرة، صاحب فضل عليهم، ولذلك فلن يتأخروا مطلقًا في تنفيذ أي أمر يطلب منهم بأي شكل.
ليس هذا فقط، فرجال الداخلية في قرارة أنفسهم يحملون إحساسًا بالإهانة مما جرى لهم على يد الشعب المصري في ثورة يناير، وهو إحساس يولِّد رغبة في الثأر أعتقد أنها لن تنتهي بسهولة، وهو الأمر الذي يمكن استغلاله في أي تحرُّك يخطط له العادلي ورجاله من داخل السجن.
الكلام ليس نظريًّا فقط، وليس احتمالاتٍ أو تخمينًا فقط، ولكن هناك وقائع تجري على الأرض تقول إن هناك شيئًا ما يحدث، قد يكون غير ملموس، لكنه مؤشر خطر.
خذ عندك مثلاً: رجل الأعمال الذي لم يكن له ذكر قبل الثورة، كان معروفًا في دائرة ضيقة جدًّا، وإذا به يتحول إلى رجل إعلام، يفتتح قناة فضائية، ثم تتحول القناة إلى ثلاث قنوات، وبعد ذلك يتجه بكل قوته إلى شراء قنوات فضائية أخرى، ولا يمانع من أن يقوم بشراء نسب كبيرة في صحف موجودة.
قد يكون الرجل حسن النية، يريد أن يستفيد بحالة الانفتاح الإعلامي التي جرت في مصر بعد الثورة، لكن الاستفادة شيء والرغبة في الاحتكار والاستحواذ على كل المنافذ والمعابر والقنوات أمر مختلف ولا بد أن يثير الشك والريبة.
فما الذي يجعل رجل أعمال جاء من المجهول - ولا نعرف شيئًا عن علاقاته لا بالنظام القديم ولا برجال الأعمال وخاصة الموجودين خارج مصر – يتعامل مع الإعلام بهذه العقلية الاستحواذية، إلا إذا كان هناك من دفعه إلى ذلك لحاجة في نفسه.
لقد ثبت أن الإعلام سلاح مؤثر وجبار، كان له نصيب الأسد في الإيقاع بالنظام المصري، وقد تكون هناك رغبة في استعادة السيطرة عليه مرة أخرى لكن من وراء ستار لا يعرفه أحد، ولا يشك فيه أحد، وهو كلام حتى الآن يدخل في دائرة الشواهد، فلا يمكن لنا أن نخون أحدًا، لكن السؤال هو الذي يطرح نفسه وبقوة.
دعك من رجال الأعمال هذا فهو على الأقل يعمل في النور، يعلن عن صفقاته وعن شرائه المتتالي والمتتابع للقنوات والصحف، لكن هناك نشاطًا، ملحوظًا للغاية، خفيًّا ولا يعلم عنه أحد شيئًا، يقوم به عدد كبير من رجال الأعمال من أعضاء الحزب الوطني المنحل، حيث يقومون بشراء قنوات فضائية موجودة على النايل سات، قنوات صغيرة وغير مشهورة، ويدعمونها حتى تستمر، وفي الوقت المناسب تتحول القناة الصغيرة إلى قناة كبيرة تقوم بدورها المطلوب في الوقت المناسب، وهو دور لن يكون إلا في صالح النظام القديم ورجاله.
***
كل هذا يحدث بالطبع تحت سمع وبصر المجلس العسكري الذي يدير شؤون البلاد، وهو مجلس وجد أعضاؤه أنفسهم في ورطة شديدة، فلم يكن أحد منهم جاهزًا للحكم أو إدارة شؤون البلاد، لكن المسؤولية ألقيت على عاتقهم فتصدوا لها، بذلوا جهودًا خارقة، لكنها جميعًا أو في معظمها لم تنل رضا الشارع الثائر، كان المجلس أكثر تقليدية وكلاسيكية في إدارته للأمور من النظام القديم في كثير من حالاته، ولذلك تلقَّى المجلس – ولا يزال - يتلقَّى ما لا يرضيه.
وقد يغضب بعض أعضاء المجلس مما يحدث، لكن حقيقة الأمر تقول إن المجلس وأعضاءه مسؤولون بشكل أو بآخر عما يحدث لهم، وما يوجه لهم من نقد يصل في كثير من الأحيان إلى درجة السباب والشتائم، إنه يدير الأمور بغموض شديد، يمارس نفس الوصاية على الشعب المصري، يتعامل معه على أنه لا يعرف مصلحته، ولا يمكن أن يشارك في حكم نفسه أو إدارة أموره، دون أن يكون هناك فارق أحدثته الثورة.

أسرار خطاب تنحي مبارك




المجلس يدخل في دوامات من الصمت، ثم يخرج علينا بما يفزعنا ويريد منا أن نتقبل منه كل ما يقوله، دون أن يدرك أو يعي أن الثورة لم تقم على مبارك كشخص، ولكنها قامت على نسق فكري وإطار قيمي ومنهج سياسي وفلسفة حكم.
الأسماء ليست مهمة، وقد يكون ما أعلنه الثوار من النزول مرة أخرى إلى التحرير لحماية الثورة رسالة واضحة للمجلس العسكري، ليس لأعضائه بالاسم ولكن لطريقته في الإدارة، فقد صمت المجلس حتى كادت الثورة تلفظ أنفاسها، وهو ما لن يقبله من قاموا بها، إنهم سيهبطون إلى البقعة المقدسة مرة أخرى ليبعثوا الحياة من جديد في ثورتهم

ليست هناك تعليقات: