السبت، 6 أغسطس 2011

سقوط النظام


عندما ينادى اليوم على المتهم حسني مبارك للوقوف خلف قضبان قفص الاتهام، تكون الثورة المصرية قد حققت أحد أهم إنجازاتها حتى الآن.. وانضمت الى الثورة التونسية التي شرعت الشهر الماضي في محاكمة زين العابدين بن علي، وفتحت الطريق أمام الثورات الليبية واليمنية والسورية وما سيأتي بعدها، لكي تحقق مثل هذا الحلم.

هو ليس مجرد كسر لحاجز نفسي مع طاغية بغى وتجبر، ولا هو مجرد انتقام للضحايا الذين سقطوا بأوامره. العدالة قيمة أساسية في أي مجتمع، والقضاء ركن مهم في أي دولة. السابقة التي تفتتحها محاكمة اليوم، تشكل منعطفاً حاسماً في الثقافة السياسية العربية التي قامت على الاستبداد السياسي والديني فأنتجت سلسلة لا متناهية من الفضائح في التاريخ العربي والإسلامي.. وتمثل اقتراباً وثيقاً من مفهوم الدولة العصرية ومؤسساتها ومسؤوليها الذين يخدمون الشعب لفترات زمنية محددة ولقاء بدل مالي معروف، ثم يتقاعدون.

هي مسؤولية الطاغية وحده وعقابه على رفض الخضوع لأي شكل من أشكال المحاسبة السياسية وعلى تعطيل المؤسسات التي كان يمكن أن تحد من طغيانه وتصوب عمله. كان الشارع هو الملاذ الشعبي الوحيد للإطاحة به، وصار القضاء هو المكان الوحيد لمعاقبته، ولتلقين كل من سيأتي بعده درساً لا ينسى. لم يعد المجتمع يريد أن يغفر أو أن يسامح مع جرائم القتل والنهب. المحاكمة هي وسيلته الرئيسية للإعلان عن أنه ينتمي أو يطمح لأن ينتمي الى هذا العصر.

لن يكون حكم القانون ظالماً أبداً بحق مبارك، الذي يتمنى اليوم لو انه تخلى عن عناده من الأيام الأولى للثورة وتنحى عن السلطة، وقرر الانضمام الى بن علي في السعودية او الرحيل الى أي بلد خليجي آخر يرحب به. لكنه أصرّ على القتال حتى اللحظة الأخيرة، وأصدر الأوامر المباشرة بقتل المتظاهرين وإحراقهم ودهسهم بالسيارات، ليضيف الى رصيده البائس في خراب الدولة المصرية وفسادها، تلك الصفحة الدموية التي لا تمحى ولا تستحق الرأفة..إلا بسبب علامات الخرف الذي ظهرت عليه في سنوات حكمه الأخيرة. المحاكمة شرط نجاح للثورة وشرط حياة للدولة. ومهما كانت وقائعها قاسية، وأحكامها مشددة، فإن القيمة المعنوية والسياسية التي توفرها لمصر وللعالم العربي كله لا تقدر بثمن. وإذا غاب مبارك عن جلسة اليوم لأسباب العجز الصحي، كما هو مرجح، فإن وقوف ولديه ووزير داخليته حبيب العادلي وبقية افراد عصابته في قفص الاتهام، عبرة كافية ورسالة شافية لكل من شكك في التجربة المصرية المتقدمة واعتبر أنها مجرد حالة فوضى وفراغ..

العدالة لضحايا الثورة المصرية الذين زاد عددهم على الألف شهيد وثلاثة آلاف جريح، لا تقبل المساومة، لأنها فرصة الإعلان النهائي عن سقوط النظام الذي يمكن ان تتهاوى أركانه تباعاً، أمام الضغط الشعبي الذي فتح بالقوة السياسية قاعة المحكمة لواحد من أكبر رموز الانحطاط المصري والعربي والإسلامي.

ليست هناك تعليقات: