الاثنين، 16 يناير 2012

حكم البراءة لمبارك وأعوانه


الدكتور عادل عامر
 هل تعم أرجاء مصر الآن موجات عارمة من الغضب في ظل عمليات شحن واسعة النطاق من أجل التعبئة والحشد تمهيدا للتحرك في موجة جديدة من الثورة المصرية، للمطالبة بقصاص عاجل من القتلة، محاكمة مبارك، التي توصف بـ«محاكمة القرن» يوم 3 أغسطس الماضي، هي السابقة الأولى من نوعها في الوطن العربي التي يقف فيها رئيس دولة أمام قضاء بلاده في قفص الاتهام؛ ومن اللافت للنظر أن المحاكمات الطبيعية للمخلوع ونجليه ورموز نظامه الساقط ستأخذ وقتا أطول،. كون المحاكمات عادلة أم لا؛ هذا أمر يتعلق بأوراق كل قضية؛ والقضايا المطروحة في المحاكم مغايرة تماما للقضايا التي يلوكها الناس بألسنتهم؛ فالناس ترى أن مجموعة من المتظاهرين تعرضوا لعدوان من قبل رجال الشرطة؛ لكن المكتوب في الأوراق غير ذلك؛ فالمكتوب يشير إلى أن مجموعة من المتظاهرين حاولت أن تهاجم أقسام الشرطة؛ وأن بعض رجالها هربوا؛ والبعض الآخر تصدى لهم وأطلق النيران عليهم في حالة دفاع عن النفس؛ كما سرقت بعض من قطع الأسلحة من هذه الأقسام؛ والتي هرب منها بعض المساجين؛ في حين أن تساؤلات المحكمة تدور حول من الذي أطلق النيران؛ ومن الذي أصيب؛ ومن الذي هجم؟. أن أهالي بعض المتظاهرين لم يعرفوا بوفاة أبنائهم إلا بعد أيام؛ ومن هنا نلاحظ أن القضايا لم يبدأ التحقيق فيها أعقاب الحادث مباشرة لعدم وجود تحريات المباحث؛ وعدم وجود رجال الشرطة في أماكن عملهم؛ بالإضافة إلى افتقار هذا النوع من القضايا إلى شهود رؤية؛ أو شهود رؤية صادقين؛ وبالتالي فالحكم سيكون لصالح المتهمين. إن الأمر مختلف مع مبارك والعادلى ومساعديه؛ حيث لا يتهمهم أحد بأنهم أطلقوا النيران على المتظاهرين بأيديهم؛ ولكن التهم الموجهة لهم أنهم أمروا بإطلاق النيران على المتظاهرين؛ فإذا ثبت أنهم أصدروا أوامر بالفعل فهذه قضية أخرى؛ وإذا لم يثبت أنهم أمروا بذلك؛ سوف ندرس بعد ذلك لماذا لم يمنع أي منهم إطلاق النار على المتظاهرين بحكم موقعه وصلاحياته؟ وإذا كان أي منهم لا يعلم بأمر إطلاق النار فهذه قضية ثالثة؛ والرد فيها: لماذا استمروا في مواقعهم كل هذه السنوات؟. أن الأحكام في القضايا المتهم فيها المخلوع والعادلى ستحكمها ظروف البلد؛ خاصة أن الناس لديها حكم خاص على هؤلاء؛ ولكن قد يأتي حكم القضاء مخالفا للتوقعات؛ خاصة أن القاضي مقيد بما لديه من أدلة؛ وإذا ينبغي أن تكون محاكمة رموز النظام السابق محاكمات سياسية لا جنائية لأن ما ارتكبوه جرائم سياسية وهذا النوع من الجرائم تقاس عقوبتها بما يرضى الجمهور وهو ما لم يحدث حتى الآن. إن العقوبة المقررة على قائمة الاتهامات المتهم بها الرئيس السابق مبارك هي الإعدام إذا ثبت أن هناك سبق إصرار وترصدا قام به في التعامل مع المتظاهرين حيث أسندت له النيابة تهمة الاشتراك بطريق الاتفاق مع حبيب العادلى وبعض قيادات الشرطة لارتكاب جرائم القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد المقترن بجرائم القتل والشروع فيها لبعض المشاركين في المظاهرات السلمية. إن شرط ثبوت نية القتل وسابقة الإصرار من الصعب توافره إلا إذا اعترف عليه من حصلوا على أوامر القتل منه بشكل مباشر وهو ما يعنى أن رأس مبارك في يد حبيب العادلى ومساعديه المحبوسين على ذمة نفس القضية. أن محاكمة الرئيس هي أحد أهداف الثورة التي طالبت بالتطهير لكنها ليست كل أهدافنا فالهدف الأسمى الآن هو بناء بلد ديمقراطي إن محاكمة مبارك على هذا النحو كانت متوقعة إلى حد كبير وهذا شيء طبيعي وتكمن أهمية هذه المحاكمة في أنها أول محاكمة لرئيس سابق في تاريخ مصر والمنطقة العربية وهو ما سيؤدى إلى رعب بعض الأنظمة القمعية في المنطقة. أن كل ما نطالب به أن تكون المحاكمة علنية وتتم إذاعتها على الملأ ليشاهدها الملايين من المصريين حتى تطمئن قلوب الشعب بأن الإجراءات التي تم اتخاذها سليمة. أن مبارك سيكون عبرة لمن يعتبر بعد كل الجرائم التي ارتكبها في حق الشعب المصري و حبيب العادلى سيكون الشاهد الأساسي على الرئيس السابق مبارك حتى ولو اختفت بعض الأدلة. ومن الناحية القاضي يحكم بواقع الأوراق؛ هذا من الناحية القانونية؛ ومن الناحية السياسية لا نستطيع أن نقول إن أياً من القضاة سيتأثرون بمثل هذه الأحكام في القضايا المشابهة؛ فمن الوارد جداً أن نجد أحكاماً في قضايا أخرى مخالف تماما لهذه الأحكام؛ لكن السؤال هل هذه القضايا مستوفاة لشروط التحقيقات؛ أن ما يحدث من الرأي العام يظلم القضاة؛ خاصة أن القاعدة الشرعية تقول إن إدانة متهم بريء أسوأ من إفلات ألف متهم مدان. ونظرا لكون القوانين الحالية عاجزة عن الإلمام بجميع القضايا السياسية؛ وأن المطلوب محاكمتهم من رموز النظام السابق سيحاكمون في قضايا سياسية؛ وبالرغم من ذلك تتم محاكمتهم جنائيا؛ إن المحاكمة الجنائية على قضايا سياسية ثغرة سينفذ من خلالها رموز النظام السابق؛ خاصة أنه بعد كل ثورة لا تتم محاكمة الحكام الذين قامت ضدهم الثورة بموجب القوانين التي وضعها هؤلاء الحكام؛ وهو الذي يسمح لهم بالإفلات؛ لذا من المفترض أن يتم صياغة نصوص جديدة؛ ولكن هذا لم يحدث؛ أن الأمر لم يفلت من اليد خاصة أن هناك برلمان سيشكل قريبا ويمكن عن طريقه بالاتفاق مع المجلس العسكري إصدار تعديل على الإعلان الدستوري؛ وفى هذه الحالة يمكن محاكمة رموز النظام السابق. و أنه يجب على النائب العام ورجاله أن يقوموا بواجبهم على الوجه الأكمل بالأمانة والحرفية المفترضة فيهم، للوصول إلى الحقائق أو إعلان حقيقة عجزهم عن الوصول إلى تلك الحقائق، أو المسئول عن ذلك وعلى المحاكم التي تقدم إليها هذه القضايا أن تفصل فيها على وجه السرعة وأن تقول في أسبابها ما رأته واكتشفته وتبنته من الأوراق المطروحة عليها، من أن ثمة محاولات للتضليل تؤدى إلى عدم الوصول إلى الحقيقة وأن تعلن المسئول عن ذلك. إن الطبيعي لأي قاض يمارس عمله بجدية واحتراف أن يدرس القضية ويتابع عمله خاصة في قضية كبيرة كهذه، ومن حقه أن يأخذ وقتاً في السماع للشهود ومن مصلحتنا جميعاً أن نحترم ما تبقى لنا من هيبة لأننا إن هدمنا كل شيء فستنهار الدولة وأعتقد أن القضاء واحد من أهم أعمدة هذا الوطن، وبالنسبة لمحاكمة مبارك فقد طالب البعض بضرورة تطبيق المحاكمات السياسية على الرئيس السابق ورموز نظامه، وتعميم ذلك الشكل من المحاكمات على أي رئيس قادم ومحاسبته على أدائه منذ بداية ولايته وحتى نهايتها. إن مبارك لا يمكن محاكمته أمام المحاكم العسكرية، لأن ذلك مخالف للدستور والقانون، فإن مبارك ارتكب الجرائم التي يحاكم بموجبها الآن، سواء قتل المتظاهرين أو الفساد، أثناء توليه منصب رئيس الجمهورية، وهو منصب مدني وليس عسكريًا، وقد خلع الحلة العسكرية منذ تعيينه نائباً للرئيس السادات. أن من يثيرون تلك القضية الآن ليس لهم هدف سوى إثارة البلبلة حول محاكمة الرئيس السابق، إنها حيل غير قانونية، ولن تجدي نفعاً، لأن الدولة لن تسمح إلا بمحاكمة مبارك أمام القضاء الطبيعي، لاعتبارات عدة منها أن ثورة 25 يناير من أهم مميزاتها أنها لم تستخدم المحاكم الاستثنائية أو العسكرية ضد رموز النظام السابق، وسوف تحافظ على سلمي في التعامل مع خصومها، إضافة إلى أن محاكمة مبارك عسكرياً سوف تحرم مصر من استعادة مليارات الدولارات المهربة للخارج، لأن الدول الغربية لا تعترف إلا بالمحاكمات العادلة أمام القضاء الطبيعي.
 ***يمكن أن نقول أن قضايا قتل المتظاهرين أمام مراكز وأقسام الشرطة ومديريات الأمن سيتم الحكم فيها كلها بالبراءة اعتمادا على أن العملية هي دفاع شرعي عن النفس لأنه تم مهاجمة الضباط والجنود في أماكن عملهم. نفس القضية في أمر مبارك فقد تمت مهاجمة المصالح العامة والقصور الرئاسية وما شاكلها والقانون يعطى رئيس الجمهورية صلاحية حماية المال العام والمصالح العامة حتى ولو تطلب ذلك إطلاق النار الحي على المهاجمين والمتظاهرين كما أن القانون يمنع تنظيم المظاهرات إلا بإذن سابق من الشرطة وذلك حفاظا على الأمن . ومن ثم فمبارك ومن معه سيخرجون من قضية قتل المتظاهرين بحكم البراءة وفى تلك الحالة سنجد تناقضا بين اعتبار المجلس العسكري والحكومات المتتالية من بداية الثورة المتظاهرين المقتولين شهداء وصرف معاشات لأسرهم وصرف تعويض أو دية لهم وبين حكم القضاء باعتبارهم معتدين وخارجين على القانون تم إهدار دمهم . ربما تكون قضية موقعة الجمل وشهداء التحرير هي القضية الوحيدة التي يمكن إصدار أحكام إدانة فيها. مبارك طبقا للقانون الذي يحكم به القضاة لن يحكم عليه وعلى ولديه بأي إدانة في قضية قتل المتظاهرين فولديه لم تكن لهما صفة رسمية في الدولة وإن كان لأحدهما صفة حزبية ولكن من الممكن إدانتهم في قضايا الفساد المالي. النيابة العامة لابد أن تتدارك الموقف قبل أن تشتعل البلد في ذكرى الثورة بعمل قضية إهمال واجبات الرئاسة وخيانة البلد ضد مبارك فهذه القضية هي الكفيلة بإعدامه وهى التي تحول دون اشتعال البلد مرة أخرى وأسر الشهداء تعهدت بقتله إذا لم يصدر حكم بإعدامه ومن ثم فالبلاد عرضة لفتنة كبرى إذا صدر حكم براءة مبارك

ليست هناك تعليقات: