كشف الدكتور محمد يسرى سلامة المتحدث باسم حزب النور السلفي السابق , عن ما قال أنه الأسباب الحقيقية التي أدت إلى انسحابه من منصبه بالحزب قبل شهور. مشيرا في مقال نشره على موقع الدستور إلى أنها جاءت عبر مكالمة من شخص عسكري قال انه من طرف أحد الشيوخ أحسست فيها انه يريد تجنيدي على طريقة أمن الدولة السابق .
وقال سلامة للبديل: “هناك العديد من التفاصيل جرت عقب هذه المكالمة لا أريد الحديث عنها الآن, ولكنها تشير إلى وجود عمل مشترك, وأضاف بعدها انهارت علاقتي بالحزب وتوقفت تماما, مشيرا إلى انه وجد أن هناك الكثير من الذين يعارضون العسكر في العلن من كافة التيارات والقوى السياسية ينحنون أمامه في السر ” .
كانت البديل قد اتصلت بدكتور يسري بعد إعلانه انسحابه لمعرفة الأسباب لكنه رفض الإفصاح عنها وقتها قائلا ” ليس الآن”
وإلى نص المقال و الذي كشف فيه دكتور محمد بسرب سلامه أسباب أنسحابه من الحزب و ما جرى خلال المكالمة بينه وبين الشخصية العسكرية وجاء تحت عنوان ” أنت سلفي .. أليس كذلك ؟”
كنت في فترةٍ من الفترات أوَّل متحدثٍ باسم حزب النور، وعضوًا في مكتبه السياسي. وكنت إذ ذاك حريصًا على بناء علاقاتٍ قويةٍ متينةٍ بالقوى السياسية الأخرى، والثورية والشبابية منها خاصة، وعلى العمل المشترك فيما بيننا للتخلص من حالة الاستقطاب والتنافر الحاد بين القوى الإسلامية والثورية، التي كنت أشعر أنها مقصودة بشكلٍ ما لإجهاض الثورة. وأذكر أننا قمنا سويًّا حينها بتنظيم مليونية 8/7، التي كانت بالمناسبة المظاهرة الوحيدة التي شاركت فيها القوى السياسية كلها بدون استثناء وبصورةٍ رسمية، بعد اجتماعٍ عقدناه في اليوم السابق في مقر الإخوان شارك فيه ممثلون عن كافة التيارات تقريبًا، وكان اجتماعًا ساده الود والتفاهم والاحترام الذي كنت أتمنى أن يستمر ويتواصل. وكنا نعقد اجتماعاتنا أحيانًا ليس في غرفٍ مغلقةٍ أو مكاتب مكيفة، بل في إحدى الحدائق نجلس فيها على العشب في شكل دائرة نتحاور ونتناقش، ويكون الاجتماع مفتوحًا لمن أراد المشاركة، في صورةٍ كنت أراها تعبيرًا حقيقيًّا وصادقًا عن روح الثورة ومبادئها. ولم نكن نواجه أية صعوباتٍ في التواصل والتحاور، حيث إن معظمنا كان يعرف الآخر منذ أيام الثورة أو ما قبل الثورة، بحيث كنا نبدو ونتصرف ونتعامل كأصدقاء حميمين، لا كخصومٍ سياسيين كما صار الأمر فيما بعد.
وعندما تولى محافظ الإسكندرية الجديد –الحالي- منصبه عقدنا اجتماعًا موسعًا في تلك الحديقة، شارك فيه ممثلون عن الإخوان و6 أبريل وائتلاف شباب الثورة وحملة دعم البرادعي وكفاية والوفد والغد والعدل والمصريين الأحرار والناصريين والاشتراكيين الثوريين والشيوعيين والخضر، بالإضافة إلى مجموعاتٍ مستقلةٍ أخرى، وحضرت أنا ممثلاً عن حزب النور. وكان الاجتماع مخصصًا لتحديد الموقف من المحافظ الجديد الذي كان الإخوان وغيرهم يرفضونه رفضًا قاطعًا. وبعد مناقشاتٍ مطولة وحادةٍ أحيانًا اتفقنا على تشكيل لجنةٍ تتولى الاجتماع مع المحافظ وعرض مطالب الشعب أمامه، على أن يتم اتخاذ موقفٍ منه بناءً على مدى استجابته لتلك المطالب والتزامه بتنفيذها، واعتذر الإخوان والشيوعيون على ما أذكر عن المشاركة في تلك اللجنة، على أن نقوم بإبلاغهم بنتائج الاجتماع والتنسيق معهم فيما بعد. كانت الثورة ما تزال قوية، وكنا ما زلنا أقوياء، طموحاتنا وآمالنا تطاول عنان السماء، وأخشى أن أقول إننا كنا حمقى وساذجين أيضًا، لأننا كنا نصدق أنفسنا، ونصدق كلَّ ما يقال لنا.
المهم أننا ذهبنا في الموعد المقرر، والتقينا المحافظَ في مكتبه بكلية الحقوق، واستغرق الاجتماع الذي كان إيجابيًّا وبناءً –أو هكذا ظننَّا- ساعاتٍ طويلة، اتفق بعده الشباب على الخروج ببيان مشترك، على أن أدلي به أنا إلى وسائل الإعلام، وهكذا فعلت. كانت الثقة بيننا موجودة، وكنا فرحين بهذا.
وفي اليوم التالي أو الذي يليه، صبيحة يوم جمعة على ما أتذكر، تلقيت اتصالاً من رقمٍ غريب من شخصية عسكرية: (أنا فلان الفلاني، وذكر رتبته، من طرف الشيخ فلان)، وتساءلت في نفسي بدايةً عن السبب الذي يدفع عسكريًّا يعمل في جهة رسمية لأن يقول إنه من (طرف الشيخ فلان)، سوى أن يكون ذلك رغبةً منه في تشجيعي وحثِّي على التعاون معه (على طريقة أمن الدولة في السابق)، وإبلاغي بصورةٍ غير مباشرة أنه تحدث مع هذا الشيخ الفلاني قبل أن يتحدث إليّ. وكان أول سؤالٍ له عن هذا الاجتماع الذي عُقد مع المحافظ وهل عُقد فعلاً، حيث لم يكن (لديهم) علمٌ به حسب تعبيره، فأكدت له أنه حدث بالفعل، (وهل يجب أن تكونوا على علم بكل ما يحدث؟) هكذا سألت بسذاجةٍ منقطعة النظير، (نعم، بالطبع) هكذا أجاب. فأرادني أن أُطلعه على تفاصيل الاجتماع وما جرى فيه بطريقةٍ لم تعجبني، لأنها ذكَّرتني بأساليب أمن الدولة أيضًا، وكأنه أرادني أن أكون (عصفورة) من عصافيره، ولما لم أكن عصفورًا ولا شيئًا من هذا القبيل فلم أزد على أن أجيب: (تفاصيل الاجتماع سيادتك منشورة في بيان مفصل نشرته الصحيفة الفلانية، ويمكنك الرجوع إليه إن شئت)، وسألني عن الحاضرين وأسمائهم وإلى أي الحركات السياسية ينتمون، فأجبته الإجابة نفسها، وكلما حاول الحصول على أية معلوماتٍ أجبته بالإجابة نفسها. غير أني أحسست أن هذا لم يكن الدافع الحقيقي من وراء هذا الاتصال المريب، حيث لم أصدق أنه لم يكن على علمٍ بهذا الاجتماع حقًّا، ثم إن تفاصيله كانت منشورةً معلنةً بالفعل، وكذلك المشاركين فيه. ولم تتضح لي الصورة حتى سألني: (وما علاقتك بهؤلاء الأشخاص؟) يعني شباب القوى السياسية الأخرى، فقلت: (هؤلاء أصدقائي ورفاقي منذ الثورة، وأنا أعرفهم جيدًا) .. فردَّ ممتعضًا: (آه، نعم، الثورة، بس انت مالك ومال الناس دول، أنت سلفي أليس كذلك، وهؤلاء ليسوا مثلك!)، وهنا بدأت أن أفهم غرضه ومراده، فأجبته: (مش فاهم؟)، قال: (نريد للأمور أن تهدأ، وللبلد أن يستقر، ودول زي ما انت عارف..) .. (لا مش عارف، بُص سيادتك، أنا والناس دول شيء واحد)، لم ترق له هذه الإجابة بالطبع، فقال متلطفًا: (لماذا أشعر أنك مستَفَز أو خائف من الحديث معي؟)، قلت: (مستَفَزٌّ ربما، أما الخوف فلم أعد أخاف بفضل الله منذ الخامس والعشرين من يناير)، فأجاب غاضبًا وساخرًا: (خمسة وعشرين يناير؟ آه، طيب، سنرى على العموم، وسيكون لي كلام مع الشيخ على كل حال) يقصد الشيخ الذي ذكره في أول المكالمة التي كان هذا آخرها. تأكدت حينها مما كنت أشعر به من قبل من أن حالة الاستقطاب والتنافر هي بالفعل مقصودة مرغوبٌ فيها، وأنهم حريصون على الإبقاء عليها، وأن العمل المشترك بيننا يزعجهم كثيرًا ويريدون إنهاءه، لأننا بذلك نفسد (الطبخة) التي تعبوا في إعدادها وتحضيرها، التي هي ببساطة: (فرِّق تسد).
جرت بعد ذلك تفاصيل وتوابع عديدة لهذا الموقف لا أحب أن أسردها، انتهت بانهيار هذا العمل المشترك وتوقفه، كما أسفرت عن تركي لموقعي في الحزب. والحكايات لا تنتهي، وأشدُّ ما آلمني فيها أني وجدت كثيرًا ممن يعارض العسكر في العلن –من كافة التيارات- ينحني أمامهم في السر، لكنه يصدِّع رؤوسنا صباح مساء في وسائل الإعلام بعنترياتٍ زائفة ونحن نصدق، والشباب يصدق، وكلما صدقنا أكثر تراجعت الثورة أكثر وأكثر، وتراجع مستقبل الوطن أكثر فأكثر. وإذا كان هذا ما جرى، وهذا ما يجري، وإذا كان هذا هو المخطَّط؛ فليس أقلَّ من أن نفشله ونفسده على أصحابه بأن نعود كما كنا يدًا واحدة، وإلا ذهبنا جميعًا.
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق