نشرت مجة “تايم” الأمريكية، قراءة في المعادلة السياسية الجديدة في مصر، وذكرت أن تباشير العام الجديد بدأت في البلاد بالبرلمان الذي هيمن عليه الإسلاميين لأول مرة في تاريخهم. والسؤال المطروح حاليا هو كيف سيقوم الإسلاميون الذين تمكنوا من السلطة مؤخراً بإدارة البلاد؟
وأضافت أن بعض النشطاء والسياسيين يتوقعون قيام مواجهة عنيفة بين الحكم العسكري والكتلة الإسلامية، ويكون الشد والجذب من أجل السلطة والنفوذ ولا سيما في الأشهر المقبلة خلال عملية صياغة الدستور المصري الجديد. فهم يقولون إن الأحزاب الإسلامية التي حصلت على نحو 62% من مقاعد البرلمان سوف تندفع نحو تطبيق الشريعة الإسلامية، فضلاً عن تقديم تشريعات تحد من قوة العسكر وحصانتهم. ويتوقع هؤلاء أن يبذل الحكم العسكري، في المقابل، كل ما في وسعه لوقف هذا التوجه.
إلا أن إسلام أحمد عبد الله، السلفي الذي يدير مركزا لمحاربة “التبشير المسيحي” قال إن هذا السيناريو “من شأنه أن ينتج جزائر جديدة “. وأوضح أن مصر لها تاريخ من الصراع العنيف من الإسلاميين ضد النظام، وإذا حدث صراع بين الحكم العسكري والإسلاميين على السلطة التي وصلوا إليها بنزاهة فقد تتدهور الأحوال في مصر للدرجة التي قد تصل إلى العنف الذي عصف بالجزائر في 1990 بعد عملياتها العسكرية ضد فوز مشابه للإسلاميين هناك .
ونقلت المجلة عن محللين آخرين أن حدوث اشتباكات كبيرة لن يكون ضمن اللعبة. ويرى جوشوا ستاشر، أستاذ النظريات السياسية، أن التحرك قد بدأ بالفعل وأنه ليس له علاقة تذكر بلسلفيين المتشددين الذين يسيطرون على ربع البرلمان تقريبا. وقال إن المفاوضات الحقيقية ستكون بين الإخوان المسلمين والمجلس الأعلى للقوات المسلحة.
وأمضى الإخوان العقود الماضية في تنظيم أنفسهم على الرغم من “أفعال القمع الخرقاء” والضغوط التي قام بها نظام حسني مبارك عليهم، وبعد مشاركتهم في الانتفاضة الثورية التي قامت للإطاحة بنظامه في الشتاء الماضي نهضوا بسرعة ليصبح لديهم الحزب السياسي الأقوى في مصر، حزب الحرية والعدالة.
وبعد سيطرة الإخوان المسلمين على البرلمان صاروا اللاعبين الأساسيين والمتحكمين في رسم مستقبل مصر لتصبح الأدوار الرئيسية لهم وللمجلس العسكري الذي تركه مبارك وراءه .
وأوضحت “تايم” أن الليبراليين المصريين حذروا من مؤامرة من هذا النوع منذ الربيع الماضي، قائلين إن المفاوضات التي اشترك بها الإخوان المسلمون ستخرج الإخوان من ميدان التحرير، حيث وجه الليبراليون احتجاجاتهم ضد المجلس العسكري مباشرة، وأن مفاوضاتهم تعزز من فوزهم في الانتخابات. ونفت جماعة الإخوان قطعاً صلتها بأي من هذه الصفقات التي تعقد خلف الكواليس، ولكن المناورات السياسية التي حدثت في الأسابيع الأخيرة توحي بأن لديهم النية في إلغاء تحالفهم مع السلفيين. وأوضح الإخوان المسلمون رسمياً هذا الأسبوع أنهم تخلوا عن مطالبتهم فالسابقة بأن تكون مصر دولة برلمانية – بدلاً من رئاسية- في خطوة قد ترفع الضغط عن الجيش وستثير على الأرجح إدانات من الإسلاميين والليبراليين .
وكان مسئول كبير في الإخوان صرح لصحيفة “نيويورك تايمز” بأن الجماعة ستقبل بالقيادة التي عينها المجلس العسكري وبكمال الجنزوري رئيساً للوزراء حتى يوليو القادم ونوّه المجلس أنه في هذا الوقت سيكون للجمهورية رئيسها المنتخب ليتولى السلطة .
كما تواصل الإخوان مع دبلوماسيين أمريكيين وأوروبيين خلال الأسابيع الأخيرة، وأكدوا على التزامهم بسياسات معتدلة. وحضرت قيادات من الإخوان المسلمين قداس عيد الميلاد في الكاتدرائية بالقاهرة في نهاية الأسبوع الماضي في إشارة واضحة للأقلية المسيحية في مصر، رغم انتقاد الجماعات السلفية لاحتفالات عيد الميلاد واعتبارها “حرام”.
وقال ستاشر في تصريحاته لتايم: أرى أن الإخوان يشعرون بأن السلفيين ليسوا بالنضج السياسي الكافي بعد. ورغم أن كلتا الكتلتين إسلاميتين إلا أن لديهما رؤى مختلفة للغاية لمصر الإسلامية. كما أن الإخوان لديها الخبرة الأكبر في التعامل مع نظام الطغيان أكثر من الأحزاب السلفية الصاعدة ويعلمون جيداً أن للمجلس العسكري اليد العليا عندما يتعلق الأمر بالأسلحة والموارد.
وأضاف: أن الإخوان لم ينكسروا فعلا في الماضي ولن ينهزموا في الوقت الحالي، وبعد أن عرفوا مذاق الحرية ولو قليلاً فلن يعودوا للسجن ثانية. ومع ذلك فإن الصعود السريع للإخوان على الساحة السياسية لا يؤدي بالضرورة إلى خروج اللاعبين الصغار من المشهد الآن لكنه مجرد تهميش لهم.
ويتوقع ستاشر أن تستمر المواجهات العنيفة التي تمت بين الجيش والليبراليين أو الجماعات الأخرى، مثل الحملات القمعية ضد المتظاهرين في ميدان التحرير والتي خلفت أكثر من 80 قتيلاً منذ أكتوبر، ستستمر خلال عام 2012 . معتبرا أن كل من الإخوان المسلمين والسلفيين على حد سواء على مقاعد البرلمان، وأن المجلس العسكري سيحاول استخدامها ضد الجماعات غير الإسلامية. وسيعمل بشكل ما في صالح الإسلاميين في مواجهة العلمانيين، أي ضرب مصالح الجماعات ببعضها لإخراجهم من الساحة.
ونقلت الصحيفة عن الباحث السلفي إسلام أحمد عبدالله عن نفوذ الليبراليين الآخذ في الانحسار: نحن في طريقنا للسيطرة على هذه البلد وأمريكا ستدعم الليبراليين لفترة طويل بالمال لكن في النهاية سيكونون كرزاي الثاني. مقارنا وضعهم بما حدث مع رئيس أفغانستان المدعوم من الولايات المتحدة .
ويمثل خطاب عبدالله كارت “شبح السلفية الشرس”، وما سيحدث لمعظم أعضائهم في البرلمان عندما يجدون أنفسهم مهمشين سواء من قبل جماعة الإخوان التي تسعى للوصول لسياسة أكثر اعتدالا أو من الجيش الذي يرغب في إبطاء – أو حتى انحراف- سعيهم لتطبيق مفهومهم للشريعة الإسلامية؟.
ونقلت المجلة بعض التقارير التي أفادت بأنه في مرحلة الفراغ الأمني بعد مبارك، قام السلفيون بتطبيق الشريعة بأنفسهم، كما تكثر الشائعات حول فرض السلفيين لتفسيراتهم للشريعة الإسلامية في الأماكن العامة، حيث أمروا بالفصل بين البنين والبنات في واحدة من مدارس الإسكندرية، ونقلت مدونة من القاهرة محاولة بعض السلفيين إغلاق صالون تجميل للنساء في منطقة دلتا النيل.
ويقول عبدالله إنه في كل الأحوال “سيقوم الناس بتطبيق الشريعة الإسلامية بأنفسهم والمصريون لن يوافقوا على أن يعيشوا في بلد يوجد فيه الخمر في الشوارع، والناس في الشوارع هم من سيقومون بهذا”، وأضاف: “لقد بدأنا للتو في البرلمان وسنعطي السيف للشعب”.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق