أحلوا لأنفسهم ما حرموه على غيرهم: إسلاميون هاجموا الوقفات الفئوية ويمارسونها.
جاء تظاهر بعض عناصر الجماعات والتنظيمات الإسلامية بسبب وثيقة المبادئ الحاكمة للدستور، وتهديدهم بالتصعيد في حال إقرارها، ليلقي بالعديد من علامات الاستفهام حول مواقفهم السابقة الرافضة لأية تظاهرات فئوية، متهمين إياها بالإضرار بمصالح البلاد، وتعطيل عجلة الإنتاج، وأن فلول النظام السابق هم الفاعل الأساسي لها والواقفون من خلفها، ويذكر أن الرافض للوثيقة هو فقط التيار الإسلامي دون بقية التيارات الوطنية السياسية الأخرى،
كما جاء موقف أنصار الشيخ عمر عبد الرحمن وأعضاء الجماعة الإسلامية من تنظيمهم لوقفة احتجاجية أمام السفارة الأميركية مؤخرًا للمطالبة بالإفراج عن الشيخ الضرير، لتنضم إلى علامات الاستفهام الأولى، فوقفتهم أمام السفارة لا تخص أحدًا سواهم، ولا تخص حتى أبناء تيارهم الإسلامي بكل ما فيه من تنظيمات وجماعات، وهو ما يجعل الوقفة تتسم بالطابع الفئوي، مثلها مثل أية تظاهرات أخرى قاموا برفضها من قبل.
وهو الأمر الذي يعيد للأذهان ما كان يفعله التيار الإسلامي من قبل، حيث كان دائم الاستخدام للدين بأشكال مختلفة تصل إلى حد التناقض في بعض الأحيان، حيث يختلف التفسير والتأويل طبقًا للمصلحة الخاصة بالتنظيم أو الجماعة، وطبقًا لمن تفسر ضده تلك الأسانيد، وهو الأمر الذي ترفضه كافة التيارات السياسية المدنية وتعتبره محاولات لاستخدام الدين واستغلاله في تسييد مواقف سياسية بعينها، تقوم بالتخديم على جماعات الإسلام السياسي، مخالفة بذلك للإجماع الوطني.
وكان التيار الإسلامي قد نظم بمفرده بعد أن تخلى عن باقي التيارات السياسية تظاهرات 29 يوليو، والتي وصفها البعض أيضًا بالـ "فئوية" لأنها لا تخص إلا التيار الإسلامي وحده بعيدًا عن باقي التيارات السياسية الأخرى، وقد وصف مسبقا الدكتور محمد البلتاجي – القيادي الإخواني – التظاهرات والاعتصامات الفئوية في هذه الفترة العصيبة التي تمر بها مصر بالـ"مرفوضة"، موضحًا أنه لا مانع من المطالبة بالحقوق بطرق مشروعة لا تؤثر بالسلب على البلاد.
وقد نظم عدد من الائتلافات الإسلامية وقفة احتجاجية وصفوها بالـ"رمزية" أمام مجلس الوزراء بالقصر العيني، اعتراضًا منهم على البيان الذي أصدره المجلس الخميس الماضي متحدثًا عن وثيقة المبادئ، وطالبت الوقفة الدكتور عصام شرف – رئيس مجلس الوزراء – بوقف ما أسموه "عبث" المبادئ الحاكمة للدستور، مطالبين في الوقت ذاته بالانصياع لرأي الأغلبية التي قالت رأيها في الاستفتاء على مواد الدستور بشهر مارس الماضي والذي انتهى بالموافقة، واتبع ذلك إصدار المجلس العسكري للـ"إعلان الدستوري" والذي تراه القوى السياسية فيما عدا الإسلاميين التفافًا على نتيجة الاستفتاء، وطالب كلٌّ من "ائتلاف 77"، و"جبهة الإرادة الشعبية"، و"حركة الوحدة"، بضرورة الحفاظ على ما أسموه "إرادة الشعب" وعدم الخروج على الشرعية، وتحديد جدول زمني لتسليم السلطة للشعب وإعلان موعد إجراء الانتخابات التشريعية، ورفعوا في وقفتهم أمام مجلس الوزراء التي غاب عنها غيرهم من الإسلاميين، لافتات كتب عليها "لا للمبادئ فوق الدستورية.. ولا لاغتيال الديمقراطية"، وقالوا: "نحن كإسلاميين نرفض فرض وصايتنا على أحد، كما نرفض بالمقابل أن يفرض علينا أحد وصايته"، منتقدين ما صرح به الدكتور علي السلمي – نائب رئيس مجلس الوزراء – من أن هناك توافقًا حول وثيقة المبادئ الحاكمة للدستور، وفي لهجة تهديدية أشاروا إلى أن وقفتهم الرمزية مجرد بداية وسيكون هناك نوع آخر من التصعيد في حال عدم الاستجابة لمطالبهم التي وصفوها بالـ"مشروعة"، كما شنوا هجومًا على كافة التيارات الأخرى بالمجتمع قائلين: "إن من يتبنى الوثيقة فئة سياسية محدودة ليس لها جمهور ولا يتوقع أن يكون لها أي تأثير في صناعة واقع مصر بعد الثورة"، متجاهلين بذلك أن كافة التنظيمات عدا الإسلامية متوافقة على فكرة الوثيقة.
من جانبه أكد الدكتور ناجح إبراهيم – القيادي بالجماعة الإسلامية – على أن أية وقفات احتجاجية قد تؤدي إلى الإضرار بمصالح مصر الاقتصادية مما قد ينتج عنه انهيار الاقتصاد بالكامل، لأن تلك الوقفات تقوم بتعطيل العمل وهو ما تستغله بعض الفئات لتأخذ حقًّا ليس لها، وأشار إلى أن هناك الآن العديد من وسائل العمل المتاحة بعد ثورة 25 يناير منها الإعلام الذي أصبح متاحًا للجميع ومفتوحًا لكافة الآراء ووجهات النظر، كما أن التظاهر يحتاج إلى تواجد الشرطة لحماية المتظاهرين أو المعتصمين أولاً، ولحماية المنشأة ثانيًا في حالة حدوث أي غلو أو تشدُّد، وهو الأمر الذي يصعب توفيره الآن بسبب ضعف الأمن، مما يهدد دومًا بالخطورة في هذه الفاعليات الفئوية، وعلى الرغم من معارضته لتلك الفاعليات فإنه يرى اعتصام أنصار الشيخ عمر عبد الرحمن أمام السفارة الأميركية عملاً مشروعًا حيث إنه يوصل – على حد قولة - صوت المعتصمين للسفارة، ويعد نوعًا من أنواع المطالبة بالحقوق المهدرة دون استخدام للعنف.
وألقى ناجح بقنبلة في وجه باقي عناصر التيار الإسلامي حيث أكد على رفضه للتظاهر ضد المبادئ الحاكمة للدستور، مشيرًا إلى تضامنه مع تلك المبادئ وموافقته عليها من حيث المبدأ، ويرى أنها تحتاج فقط إلى توافق كافة القوى عليها والاستقرار على شكلها النهائي، ثم تطرح للاستفتاء الشعبي بعد ذلك في شكل نقاط لإقرارها وتفعيلها بعد الموافقة الشعبية عليها.
وهو ما اختلف عليه المهندس محمود فتحي – رئيس حزب الفضيلة – حيث أكد موافقته على التظاهر ضد "وثيقة المبادئ"، وطالب بتأجيل الاعتصام من أجل الشيخ "عمر عبد الرحمن"، حيث يرى أن المظاهرات المناهضة للوثيقة تنادي بتفعيل رأي الأغلبية الذي أعلن عنه "استفتاء مارس"، ولكون التيار الإسلامي جزءًا كبيرًا من المجتمع المصري فهو يتحدث بلسان هذه الأغلبية وإن لم تكن ضمن التيار الإسلامي ولكن الآراء توافقت، وعلى جانب آخر فالوقت ليس مناسبًا للوقفات التي يقوم بها أنصار الشيخ عمر عبد الرحمن، فهي مرفوضة في الوقت الراهن، لأن المرحلة التي نمر بها لا تتحمل ذلك، مؤكدًا في الوقت ذاته على وقوفه بجانب كل مصري مظلوم، وأنه من حق الجميع المناداة بالحرية والعدالة.
ويشير فتحي إلى أن الوضع الآن أكبر بكثير من أية مطالب دعوية أو فردية أو جماعية يقوم بها البعض، والمهمة الأساسية الآن هي "الحكم أو المشاركة فيه للنهوض بالوطن"، فقد كان في الماضي يسود شعور باللا مبالاة وعدم المسؤولية في المجتمع المصري، ولكن بعد الثورة بدأت الأمور تتغير ويسود قدر من الحرية والكرامة، ويستطيع الجميع الحديث والتواصل والاختلاف، ولكن ينبغي أن نكون جميعًا حريصين على نهضة مصر في كافة الاتجاهات، وإن كنا نؤمن وبشدة بمطالب البعض ونراها حقوقًا لهم، إلا أن المرحلة التي نمر بها الآن تحتاج منا العمل على بناء مصر قوية لا البحث عن مطالب فئوية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق