توتر العلاقة بين الجيش والشرطة ذو جذور تاريخية طويلة إلا أنه فور تولي السفاح حبيب العادلي مقاليد الأمور في وزارة الداخلية بدأت حرب من نوع جديد بين الجنرالات حاول خلالها العادلي الضرب تحت الحزام بالتقرب إلي الباب العالي «قصر العروبة» والتجسس علي المؤسسة العسكرية ليجعل من نفسه وصياً علي الجيش يتمتع بسلطات ونفوذ لا يحلم به المشير نفسه وهذه هي المرة الأولي في تاريخ مصر الحديث أن يقوم «القصر» بتقريب الشرطة وكسب ود الأمن الداخلي علي حساب الجيش وكل ذلك من أجل عيون مشروع التوريث.
حاول العادلي منذ البداية أن يكون نداً للمشير طنطاوي حيث بهره ما كان يتمتع به الأخير من حضور وقوة شخصية داخل اجتماعات مجلس الوزراء بل ولفت نظر العادلي أن سيارة المشير طنطاوي هي الوحيدة التي تدخل إلي أقصي نقطة في حرم مجلس الوزراء دون غيره من أقرانه الوزراء الذين كانوا يرتجلون جزءاً طويلاً داخل حرم المجلس.
بدأ العادلي في خطة تعديل الأوضاع التي كان يعتبرها السفاح «مقلوبة» وبدأت الخطة بزيادة تسليح القوات والارتقاء بمستواها إلي الدرجة التي كانت تقلق الجميع سواء في العتاد أو العدد حيث تجاوز عدد قوات الأمن المركزي مليوناً و200 ألف جندي إلي جانب الضباط والمساعدين.
بينما لا يزيد عدد قوات الجيش علي 400 ألف مجند وضابط بمختلف الرتب بما يؤكد أن العادلي كان يخطط للبقاء في منصبه مدي الحياة وكان يحمي نفسه وليس مشروع التوريث فقط ويؤكد ذلك أيضاً أن الرجل أول من آمن بمبدأ «أنا أو الفوضي» الذي نقله بشكل مباشر فيما بعد إلي «مبارك» فأدرك العجوز أنه لا يستطيع أحد هز أركان عرشه لأن البديل سيكون الفوضي.
لم يكتف العادلي بذلك بل حرص علي حشد جميع الوسائل التي تجعل من جهاز أمن الدولة بوابة انطلاق لطموحاته فسخر الجهاز للتجسس علي كبار المسئولين بمن فيهم المشير والقيادات العسكرية البارزة وبدأ في تجاوز حدود الجهاز إلي اختصاصات الأجهزة السيادية الأخري.
كما حرص العادلي علي الارتقاء بمستوي الضباط لضمان الولاء له فقام بإيفاد عدة مجموعات للحصول علي دورات تدريبية بالولايات المتحدة الأمريكية مثلما يحدث مع ضباط الجيش.
وظل العادلي ورجاله يسيرون في هذا الاتجاه وفي وضح النهار باعتبار أن مبارك وسوزان يوفران له الحماية كما أن معاملة المشير الطيبة له تمثل له عنصر اطمئنان وكان العادلي لا يخجل في اللجوء إليه خاصة عندما كانت تحدث بعض المناوشات بين رجال الجيش والشرطة والتي كانت تنتهي أغلبها لصالح الجيش حيث وقعت عدة حوادث من هذا النوع أبرزها حادث اعتداء أحد ضباط الجيش علي أحد أقسام الشرطة بالقاهرة وقام هو وبعض جنوده بتحطيم القسم تماماً وحبس ضباط الشرطة بداخله بعد اعتداء أحدهم علي ضابط جيش صديقه أيضاً ميدان الرماية كان مسرحاً لأحد الأحداث المشابهة إلا أن جميعها انتهي باستغاثة من العادلي للمشير بضرورة التدخل لإنقاذ الموقف وكان الأخير يتصرف بحكمة وحنكة وسرعان ما يتعانق العادلي والمشير بعدها بساعات داخل أروقة مجلس الوزراء إلا أن «ما في القلب في القلب».. وفور أن تهدأ النيران تحت الرماد سرعان ما تعاود الاشتعال في أزمة جديدة ولا ينسي أبناء الداخلية أبداً أن الجيش هو الذي ينال ثقة وحب وولاء الشعب المصري بخلاف الشرطة التي تمثل آلة قمع وفساد يخشي من بطشها المواطن الشريف قبل المجرم المحترف.
استمرت الأوضاع هكذا ما بين كر وفر وصعود وهبوط وأزمات مشتعلة وحروب باردة ونيران تحت الرماد حتي تحرك مؤشر زلزال 25 يناير الذي هز أرجاء العالم وليس مصر فقط.. بدأ العادلي الحرب الأخيرة لأنه أيقن أنه في النهاية سيجد نفسه وجهاً لوجه مع المشير طنطاوي فبدأ السفاح حرباً استباقية وطلب من مبارك في اللحظات الأخيرة إقالة المشير والغريب أن مبارك وعده بذلك بعد دراسة الأمر ثم طلب من المشير فرض حظر تجول ومساعدة الشرطة في معالجة الأزمة فكان رد العادلي صريحاً بسحب القوات فوراً وإشاعة الفوضي في أرجاء البلاد.
وكان المشير يدرك تماماً أن حبيب العادلي يتجسس علي الجيش المصري فأمر علي الفور بمصادرة جميع التسجيلات والهارديسك الموجودة بمقار أمن الدولة إلي جانب إصدار الأوامر باقتحام «فيللا التسجيلات» بالزمالك إلي جانب تفتيش مقار أمن الدولة بمدينة نصر والمقطم والزمالك والإسكندرية لاحتوائها علي تسجيلات صوتية لمكالمات بين أعضاء المجلس العسكري والمشير.. ليسقط «خادم الملك» الشهير بحبيب العادلي ومع سقوطه أزيح الستار عن التسجيلات التي كان يتجسس فيها العادلي علي الوزراء والمشاهير ورجال الجيش لصالح مبارك ولخدمة مشروع التوريث.
رحيل السفاح لم يكن كافياً لأن رجاله وتلاميذه مازالوا في الخدمة ويدينون له بالولاء والجميل فهو في نظرهم حاول تعظيم دور وزارة الداخلية بل ويعتبرون أن عهد العادلي هو العهد الذهبي لوزارة الداخلية ولكل أفراد الشرطة لأنهم كانوا يحكمون مصر في كل شيء.
ومن هذا المنطلق ارتسمت علي العادلي ملامح القوة والغرور حتي خلف القضبان لأنه مازال يراهن علي سيناريوهات الفوضي المدمرة وأن رجاله في الخارج سيجعلون الشارع يترحم علي أي يوم من أيام حبيب العادلي،
بل وحاول العادلي مغازلة عيون الجيش وخطب وده في كلمته امام المحكمة عندما اكد ان المشير انقذ حياته اثناء الثورة وساعده في الخروج من وزارة الداخلية باحد مدرعات الجيش.
وفي نفس الوقت يراهن العادلي علي سقوط غريمه المشير طنطاوي ويتمني أن يذوق من نفس الكأس فهل ستتحقق هواجس السفاح أم ينتصر الجنرالات؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق