الاثنين، 5 سبتمبر 2011

"المجلس العسكري" صاحب "الفتنة الكبرى" في مصر متهم بتأكيد شرعيته على حساب وحدة الصف الوطني.. و"الفنجري" و"الرويني" في قائمة المغضوب عليهم



دخل المجلس الأعلى للقوات المسلحة شهره السابع في إدارته لشؤون البلاد، وتظل مصر طيلة هذه الشهور دون رئيس للجمهورية، أو مجلس تشريعي يقوم بأدواره الرقابية والتشريعية، وهو الأمر الذي جعل المجلس العسكري ينفرد دون غيره بإدارة البلاد، وقد قبل البعض هذه الإدارة المنفردة في بداية الأمر، تقديرًا للدور الذي لعبته القوات المسلحة في خلع الرئيس السابق استجابة لثورة 25 يناير، إلا أنهم في ذات الوقت قد ربطوا قبولهم بتلك الإدارة بمدى ما يحققه الـ"عسكري" من تحقيق لأهداف الثورة، والقضاء التام على من تبقَّى من عناصر النظام القديم، إلا إنه ومع مرور الوقت وتتبع السياسات التي تحكم القرارات الصادرة من قبل المجلس العسكري،


وجد الثوار أنه إما يسير في ذات الخطى التي رسمها نظام مبارك من قبل يناير 2011، وأما يسعى على استحياء لتمكين "فلول مبارك" من الحكم مرة أخرى، وإما تسكين الأوضاع دون حل، وإنه لا يتخذ أية قرارات ثورية تتماشى مع أهداف الثورة إلا مع الضغط الشعبي وتحت إصرار الجماهير الثائرة المعتصمة في ميدان التحرير وغيره من الميادين الرئيسية في مصر.
وانقسم المصريون إلى قسمين رئيسيين باتجاه المجلس العسكري، أحدهما مؤيد على طول الخط مهما اتخذ من قرارات وسياسات وأبرز هذا الفريق "مؤيدي مبارك"، والآخر معارض ومناهض للمجلس ولما يتخذه من سياسات يراها مخالفة لأهداف الثورة، ومسايرة لدرب نظام مبارك – الرئيس السابق – فقد ظل الـ"عسكري" متحفظًا على مبارك في قصره بشرم الشيخ لفترة أعقبت إنهاء حكمه، وظل تحت الحماية العسكرية، ومع الضغط الشعبي تم استدعاؤه من قبل القضاء وبدلاً من إلقاء القبض عليه تم احتجازه بمستشفى شرم الشيخ، بصحبة نجليه وزوجته، ومع تزايد غضب الجماهير، تم مثوله أمام القضاء بعد العديد من المظاهرات والمليونيات والاعتصامات، كذلك فقد شهد القضاء العسكري إحالة العديد من المواطنين الذين أُلقِي القبض عليهم من المظاهرات، في حين طالب العديد بتشكيل محاكمة ثورية لفلول النظام السابق الذي ظلت محاكماته أمام القضاء الطبيعي، ومنع بثها مؤخرًا في وسائل الإعلام، بعد أن تم اتخاذ قرار ببثها على الهواء.


كذلك فقد تحمل المجلس العسكري الفتنة الكبرى التي أعقبت ثورة 25 يناير مع الاستفتاء على التعديلات الدستورية، بشهر مارس الماضي على دستور 71 الذي أسقط تلقائيًّا بعد الثورة، وهو ما شق الصف الوطني إلى جانب إسلامي ينادي بالموافقة على التعديلات بحجة الحفاظ على المادة الثانية من الدستور والخاصة بالشريعة الإسلامية، وإلى جانب مدني علماني ينادي برفض التعديلات لأنها تأتي على دستور قد سقط من الأساس، وطالب هذا الجانب بتشكيل لجنة وطنية لصياغة دستور جديد، وانتهى الاستفتاء بأغلبية لـ"نعم"، إلا أن المجلس العسكري لم يلتزم بها وأعلن عن صدور إعلان دستوري يحتوي مواد لم يُستفتَ عليها الشعب، وهو ما جعل الأمر يبدو وكأنه أُجري الاستفتاء ليتخذ من الإقبال الجماهيري شرعية لوجوده في أعلى السلطة، وتبع ذلك توافق "عسكري – إسلامي" في العديد من القرارات ليواجه باقي القوى السياسية الأخرى في دلاله واضحة لصفقة تحدث عنها الكثيرون تقوم بتمكين المجلس العسكري من إدارة شؤون البلاد، في مقابل تسليم السلطة للإسلاميين فيما بعد.
كما تسبَّب أداء بعض أعضاء المجلس العسكري في استياء القوى السياسية والائتلافات الشبابية، وكان أشهرهم "الفنجري" الذي اشتهر بأصبعه الذي لوَّح به للثوَّار مهدِّدًا وأدَّى إلى غضب جماهيري واسع مما نتج عنه مؤتمر صحفي للمجلس العسكري ليوضح من خلاله بيان الفنجري ويخرجه من المأزق، ويليه "الرويني" الذي هاجم بعض الحركات الثورية واتهمها بالعمالة للخارج، وخرج بعد ذلك ليعترف بأنه "صانع الشائعات" لتغيير اتجاه الرأي الخاص بالثوار، وظل "الفنجري" و"الرويني" أبرز عضوين بالمجلس العسكري يهاجمهم الثوار.
وجاء تعامل المجلس العسكري مع الأحداث الأخيرة التي جرت على الحدود مع الأراضي المحتلة، واستشهد فيها عدد من قوات الأمن المصري ليعطي علامات استفهام عديدة حول سياساته تجاه "إسرائيل"، فقد صمت على رصاصها الموجَّه إلى المصريين، كما لم يفعل شيئًا تجاه تحرُّك بارجتين عسكريتين إسرائيليتين عبر قناة السويس باتجاه الحدود الجنوبية، في حين قام بحماية سفارتها وبناء جدار عازل بارتفاع 3 أمتار وعرض 70 مترًا أمامها لحمايتها من الثوار، واستمر في عمليته العسكرية "نسر" بشبه جزيرة سيناء التي أكد على استهدافها لمفجري خط الغاز الواصل لـ "إسرائيل" في الوقت الذي يرفض فيه المصريين عمليات التصدير، وجاء محاكمة "مايكل نبيل" بتهمة إهانته للمجلس العسكري، ليصير أول بطل رأى يصنعه المجلس العسكري، في حين أن نبيل لم يهين المجلس، بل قدَّم ما يشبه ليوميات الثورة، في حين تجاهل المجلس ما يدين نبيل حقيقة من دعوته لمنع التجنيد الإجباري وحثّه لغيره من الشباب على عدم التقدم للتجنيد مما قد يعني الدعوة لارتكاب ما يجرمه القانون، كذلك علاقاته التي يتحدث عنها الكثيرون مع الإسرائيليين، فقد غض المجلس العسكري نظره عن علاقة نبيل بإسرائيل، وتحدث عن إهانته.


وصف الدكتور محمد سيد أحمد – أمين لجنة الشؤون السياسية بالحزب الناصري – موقف المجلس الأعلى للقوات المسلحة تجاه الثورة بالـ"محترم" ولكنه في ذات الوقت وصفها بالـ"بطء" مثل قراراته التي يقوم باتخاذها كل فترة، كما يغيب عن المجلس العسكري الدور السياسي والراجع إلى كون أعضائه بعيدين عن العمل السياسي بطبيعة عملهم ومواقعهم وتكوينهم خلال السنوات الماضية السابقة على الثورة، وعلى الرغم من اتخاذهم للقرارات بشكل مركزي إلا أن اتخاذهم أدوارًا تشريعية وتنفيذية في ذات الوقت جعلهم يستعينون بمجلس وزراء جاء تشكيله من "فلول" النظام السابق أو من "قليلي الخبرة" مثل رئيس الوزراء ذاته "الدكتور عصام شرف" الذي تنقصه خبرات عديدة لأداء مهامه بكفاءة، كما أنه كان جزءًا رئيسيًّا في لجنة سياسات الحزب الوطني المنحل، وكل هذه الأمور جعلت قرارات المجلس العسكري باهتة لا تأتي إلا من خلال الضغوط الشعبية والمليونيات في أيام الجمعة المطالبة بنقاط محدَّدة، فلم يقُم المجلس العسكري بتحقيق مطلب واحد بشكل مباشر بعيدًا عن "ضغط الشارع" الذي عادة ما كان يسبق تلك القرارات.
ويرى سيد أحمد أن تكليف المجلس العسكري لحكومة سياسية كان كفيلاً بتجنُّب العديد من المشاكل التي حدثت في الأشهر القليلة الماضية، وكان وسيلة تجعل شكل المجلس العسكري أفضل مما هو عليه الآن، خاصة في ظل المخاوف التي تسيطر على البعض من التفاف المجلس على أهداف الثورة، وفي النهاية فإن المحصلة تجعلنا نقول بأن المجلس العسكري أداءه ليس كما ينبغي وأنه يمثل 50% فقط من طموح الثوار.
ويشير عبد الغفار شكر إلى وجود أشياء تحسب للمجلس العسكري وأخرى تحسب عليه، ففي ظل إدارته لشؤون البلاد حدث قدر كبير من الاستقرار في العديد من الجوانب الحياتية، فعلى الجانب الاقتصادي زادت قدرتنا على الأخذ بزمام الأمور وامتلاك المبادرة للإنتاج، وكذلك فهناك تحسن على المستوى الأمني رغم العديد من الإشكاليات وحالات الانفلات فإنها لم تصل إلى درجة كبيرة تنذر بكارثة، كما أن الحياة السياسية شهدت ميلاد العديد من الأحزاب السياسية الجديدة، وشهدت حرية في مجال الصحافة والإعلام بشكل عام وحتى في الجرائد القومية فأصبح التعبير عن الرأي دون رقابة ودون تضييق على الناس.
ومن المسائل التي تحسب على المجلس العسكري يرى شكر إصراره على محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، ومنعه لحق التجمهر والتظاهر، وإصراره على إجراء الانتخابات التشريعية بالنظام المزدوج "القائمة، الفردي"، وهو ما قد يؤدي إلى دفع القوى القديمة التي كانت تسيطر على الحياة السياسية إلى مراكز صنع القرار من جديد، وهي العديد من العائلات وكبار رجال الأعمال وعناصر الحزب الوطني المنحل، ومن أبرز المساوئ التي يمارسها المجلس الأعلى للقوات المسلحة أنه لا يسأل المواطنين والقوى السياسية عن آرائهم أو يتابع اتجاهات الرأي العام، على الرغم من أنه إذا فعل ذلك سيجنِّب قراراته وسياساته العديد من جوانب السوء، خاصة وأنه يدير البلاد في ظروف استثنائيه ثورية وليس في ظروف عادية.

ليست هناك تعليقات: