الثلاثاء، 9 أكتوبر 2018

اسباب اغتيال جمال خاشقجى



خاشقجي «معارض سعودي» من نوع مختلف، فريد من نوعه، وهو معتدل ومعروف جيداً وصاحب علاقات واسعة تضم شخصيات من العائلة المالكة السعودية ومعارضين من أطياف وبلدان مختلفة وصحفيين وأكاديميين كبار، وهو كذلك مؤثر للغاية ولهذا تم قتله في بهذه الطريقة المروّعة!
وكل الذين التقوه مؤخراً قالوا إن مسحة من الحزن والأسى، وربما اليأس كانت تخرج من بين «كلمات أبو صلاح» كما كان أصدقاؤه ينادونه، وكأنه كان يشعر بما سيحدث له في سفارة بلاده عما قريب.

“عندما أتحدث عن الخوف والترهيب والاعتقالات والتشهير العام للمثقفين والزعماء الدينيين الذين يتجرؤون على التعبير عن آرائهم، ثم أقول لكم إنني من المملكة العربية السعودية، فهل يفاجئكم الأمر؟” كتب جمال في أول مقالة له بواشنطن بوست، معلناً موقفه الجديد، وأضاف:
لقد كان أمراً مؤلماً بالنسبة لي قبل سنوات عديدة عندما اعتُقل عدةٌ من أصدقائي. لم أقل شيئاً. لم أرد أن أفقد وظيفتي أو حريتي. وقلقت بشأن عائلتي.
وقد اتخذت خياراً مختلفاً الآن. تركت وطني وعائلتي ووظيفتي، وها أنا أرفع صوتي. إذ إن القيام بغير ذلك سيكون خيانة لهؤلاء القابعين في السجون. فأنا يمكنني التحدث عندما لا يستطيع كثيرون. أريدكم أن تعرفوا أن السعودية لم تكن دائماً مثلما هي الآن. ونحن السعوديون نستحق ما هو أفضل من هذا.

أسباب اغتيال جمال خاشقجي

في سعينا لاستعراض الأسباب التي جعلت مسؤولين سعوديين يقومون بقتل «المعارض السعودي» في سفارة بلاده في الخارج، تواصلنا مع محلل سياسي مطلع على قضية «اغتيال جمال» وأخبرنا إن قضية قتل جمال خاشقجي في السفارة ليست بهذه الصعوبة، ولا تحتاج لجهد كبير لكشف تفاصيلها مقارنة بعمليات أخرى معقدة.
 ومع ذلك لم يتسن للمسؤولين السعوديين تهريب خاشقجي خارج البلاد ولا تركه بعد أن قاموا باختطافه وتعذيبه، القضية بسيطة من الناحية الجنائية: دخل سفارة بلاده وقتل، ولا تعقيدات كبيرة في فهم ما جرى!

لهذا قتلوا «الرجل المعتدل» الذي يتحاشى وصفه بالمعارض

في حواراته كان جمال خاشقجي، يمدح وينقد، ويعترض ويوافق، ويؤيد بعض الإصلاحات التي يقوم بها ولي العهد محمد بن سلمان، ويعارض بعضها أيضاً، ولم يكن خاشقجي راديكالياً ولا جذرياً، ولم يطالب بإسقاط حكم العائلة السعودية للبلاد كما يفعل غيره من المعارضين في الخارج.
وإضافة لذلك كان خاشقجي يتحاشى وصفه بـ «المعارض السعودي»، حسب الصحفي ديفيد هيرست الذي وصف نفسه «بصديقه» وأضاف هيرست أن خاشقجي «اعتبر نفسه ملكياً، ابناً للمؤسسة، وصحافياً مخضرماً في السياسة الخارجية، وكان لأمدٍ طويل داخل دائرة الديوان الملكي التي يكتنفها الغموض. وسافَرَ معهم في مناسباتٍ سابقة».
ولم يشكك خاشقجي في شرعية الملكية السعودية، ولا قواعد تداول الحكم فيها، وكان مؤيداً للملك سلمان نفسه بعد توليه مقاليد الحكم.

ولكونه بهذه الاستثنائية واجه خاشقجي «انتقاماً استثنائياً»

لا يشكل حجم جمال خاشقجي ووزنه في الأوساط الإعلامية والدوائر الصحفية سبباً وحيداً لاستهدافه، ولكن أيضاً لاعتداله ورصانته وانفتاحه الشديد على أطياف ودوائر وأوساط مختلفة.
فالصحفي السعودي معروف بكونه صاحب علاقات متوازنة مع المعارضين الإسلاميين والليبراليين على حد سواء في السعودية وخارجها، وله حضور قوي في قضايا إقليمية مهمة مثل سوريا ومصر واليمن، والملف الإيراني.

معضلة الشهرة والاعتدال والانفتاح.. لهذا قُتل خاشقجي!

وفضلاً عن ذلك يتمتع بعلاقات واسعة تضم معارضين إسلاميين عرباً، ومسؤولين أتراكاً، وإعلاميين وصحفيين غربيين، وأكاديميين ومثقفين ذوي شهرة وتأثير عالمي، وعموده الأسبوعي في صحيفة واشنطن بوست الأميركية يعكس مدى شهرته وتأثيره، الأمر الذي جعل الجريدة الكبرى تبقي عموده فارغاً في ذكرى مقاله الأسبوعي بعد اختفائه.

وكانت له صلاته القديمة بالقصر

وفضلاً عن العلاقات خارج السعودية، فالصحافي السعودي يتمتع بعلاقات واسعة أيضاً مع دوائر العائلة السعودية الحاكمة وكان يُقدم باعتباره صحافياً سعودياً مقرباً من القصر الملكي الحاكم في البلاد.
وأصبح نائب رئيس تحرير صحيفة «أراب نيوز» في نهاية التسعينيات ولمدة أربع أعوام، وعُيّن رئيساً لتحرير صحيفة «الوطن» منذ 2004 وهو المنصب الذي أُقيل منه لاحقاً بطريقة غير مفهومة، وعيّن مديراً عاماً لقناة «العرب» الإخبارية التي كان مقرها في المنامة، والتي كانت مملوكة للأمير الوليد بن طلال، ولكن سرعان ما أغلقت بطريقة غامضة أيضاً.
وعمل خاشقجي منذ 2004، مستشاراً إعلامياً للأمير تركي الفيصل -المدير العام للاستخبارات العامة السعودية سابقاً- والسفير السعودي السابق في لندن، ثم الولايات المتحدة الأميركية.

 هذه العلاقة لم تدم طويلاً

فقد أصدرت الخارجية السعودية بياناً في كانون الأول/ديسمبر 2015، وآخر في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 للتأكيد على أن جمال خاشقجي لا يمثل المملكة محذرة من التعامل معه على أساس تمثيله لأي جهة رسمية سعودية.
ومنعت مقالات خاشقجي في صحيفة الحياة اللندنية المملوكة للأمير خالد بن سلطان في أيلول/سبتمبر 2017 عقب كتابته تغريدة تضامن فيها مع الشيخ يوسف القرضاوي والشيخ سلمان العودة.

وكان مؤيداً لبعض سياسات السعودية خاصة الخارجية منها

في مقاله «عن صديقه جمال خاشقجي» قال الصحفي البريطاني ديفيد هيرست إن خاشقجي

وافق  -مبدئياً على الأقل- الحرب التي تقودها السعودية على اليمن. ومثل كثيرٍ من المُحلِّلين العرب السُنَّة، اعتقد أنَّ إيران قد تمادت في نشر نفوذها في العالم العربي السُنِّي، وأنَّ الوقت قد حان للمملكة السعودية كي تصدها.
فضلاً عن أنَّه دافع عن عقوبة الإعدام. ووافق علي حملةً قمعية على الفساد – «في حال كانت صادقة». وأيَّد أيضاً محاولات تنويع الاقتصاد المُعتمِد على النفط وخصخصته.
لكنَّ خاشقجي كان متمسِّكاً بمبدأ واحد، هو أنَّ الدائرة الصغيرة المُلتفَّة حول محمد بن سلمان لا يمكنها التحمُّل، وهو ما أكسبه عداءهم المُطلَق. وكان خاشقجي صادقاً. لم يكن من الممكن شراء ذمته. إذ أعلن رأيه، وكان واضحاً فيما يقول.

لكن «المملكة لم تكن بهذا القمع»

هكذا عنون خاشقجي مقاله الأول في الصحيفة الأمريكية، مضيفاً «السعودية لم تكن بهذا القمع.. الآن لا تُطاق»، مُتحدثًا عن «حملة الاعتقالات الواسعة» التي طالت عددًا من المثقفين ورجال الدين في المملكة.
وأضاف خاشقجي
«مع صعود ولي العهد محمد بن سلمان إلى السلطة، وعد بتبنّي إصلاحات اجتماعية واقتصادية. وتحدّث عن جعل بلادنا أكثر انفتاحًا وتسامحًا، كما وعد بأنه سيأخذ بعين الاعتبار الأمور التي تقوّض تقدمنا، مثل حظر المرأة من قيادة السيارة، لكنني لا أشهد الآن سِوى موجة اعتقالات».

وتنبأ باستهدافه شخصياً

وأضاف الكاتب السعودي فيما يشبه تفسيراً لعداء السلطة السعودية له إن
«المشهد كان دراماتيكيًا إلى حد كبير، إذ احتل رجال الأمن المُلثّمين المنازل حاملين كاميرات، صوّروا بها كل ما جرى، وصادروا ممتلكات الأشخاص من أوراق وكتب وأجهزة كمبيوتر. وذكر أن المُعتقلين وُجّهت إليهم تُهم تتمثّل في تلقّي أموال قطرية، إضافة إلى كونهم جزءًا من مؤامرة مدعومة من قطر، فيما اختار عدة آخرون -من بينهم أنا- المنفى «طوعًا»، وربما نواجه القبض علينا في حال عودتنا إلى الوطن.
باختصار: كان جمال خاشقجي وطنياً حريصاً على بلاده، وكان يأمل ألا يقطع حبال الود مع السلطات الحاكمة التي كان ناصحاً لها وآملاً أن تغير سياساتها وتعود لصوابها، لكنه فقد الأمل مؤخراً في أعقاب الأزمة الخليجية وحملات الاعتقال الواسعة في المملكة، وإضافة لذلك فقد كان حريصاً على صورة بلاده في الخارج، وهي الصورة التي ستتضرر كثيراً في الوقت الراهن.

ليست هناك تعليقات: