بقلم محمد المنشاوي
تترقب الدوائر الأمريكية
والمصرية المهتمة بالعلاقات بين الدولتين قرارا للبيت الأبيض يتعلق بمستقبل
المساعدات العسكرية والتي تبلغ قيمتها 1.3 مليار دولار سنويا. وعلى عكس مما يعتقده الكثيرون فالقرار الحاسم ليس بيد الكونغرس ولا وزارة الخارجية، ولا حتى وزارة الدفاع، بل في يد الرئيس الأمريكي، يساعده في اتخاذ قراره كبار مساعديه في مجلس الأمن القومي.
قرار تجميد المساعدات العسكرية اتخذه أيضا الرئيس الأمريكي
وإن أعلنت عنه في حينها المتحدثة باسم وزارة الخارجية جين ساكي يوم التاسع
من أكتوبر 2013 والذي جاء فيه تجميد توريد الأسلحة لمصر من طائرات وصواريخ
ودبابات. ومنذ ذلك التاريخ لم تستلم مصر إلا عشر طائرات هيلوكوبتر من طراز
أباتشي قبل نهاية العام الماضي، وهكذا تم تجميد شحن الكثير من الأسلحة وقطع
الغيار ومعدات ومواد للصيانة، وهو ما سبب ويسبب الكثير من الغضب داخل
الحكومة المصرية.
تخرج إشارات مختلفة من الدوائر السياسية الأمريكية بخصوص
المساعدات لمصر كان آخرها ما ذكره وزير الخارجية جون كيري خلال زيارته لشرم
الشيخ. توقع كيري استئناف المساعدات العسكرية السنوية لمصر في وقت قريب.
وقبل ذلك دعت رئيسة اللجنة الفرعية لمخصصات وزارة الخارجية بمجلس النواب
كاي غرانغر (جمهورية- تكساس) في خطاب أرسلته للرئيس الأمريكي بالإفراج عن
طائرات إف 16 ومروحيات أباتشي وقطع غيار دبابات إم1 أيه1 أبرامز. كما اتصل
وزير الدفاع الجديد آشتون كارتر بنظيره المصري ليعرب عن رغبته بالعمل مع
مصر لمواجهة التحديات الأمنية التي تجابه بلادهما.
وخلال جلسة استماع عقدت الأسبوع الماضي لمناقشة ميزانية المساعدات الخارجية
للعام المالي 2016، أقرت مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط،
والسفيرة السابقة بالقاهرة، آن باترسون بوجود "أهداف متعارضة" لواشنطن في
مصر. هدف دعم العلاقات الاستراتيجية والأمنية مع نظام السيسي، وهدف دعم
المجتمع المدني وتحسين سجل حقوق الأنسان.
إلا أن أهم
الإشارات الخارجة من واشنطن تتمثل في توقف أركان الإدارة خلال الأشهر
القليلة الماضية عن المطالبة بما كانت تطالب به منذ الثالث من يوليو والمتعلق بـ (ديمقراطية تشمل الجميع Inclusive Democracy ) في إشارة لضرورة أن تشمل خريطة الطريق السياسية جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها السياسيين.
أما
الكونغرس فبعض الأعضاء يركزون على استمرار الانتهاكات ضد حقوق الأنسان،
وينتقدون قانون التظاهر وأحكام القضاء المصري الغريبة، وممارسة التعذيب
داخل مراكز الاحتجاز وقتل بعض النشطاء السياسيين مثل الشهيدة شيماء
الصباغ. وبعض الأعضاء، مثل السيناتور الجمهوري من ولاية أريزونا جون ماكين،
يختار التركيز على التضييق الأمني والقانوني على منظمات المجتمع المدني
وخاصة تلك التي تتلقى أموالا أمريكية بسبب رئاسته للمعهد الجمهوري الممنوع
من العمل داخل مصر. أما أغلبية الأعضاء فتركز على أهمية التعاون الأمني
والاستراتيجي، وعلى سجل القاهرة الممتاز في التنسيق الأمني مع إسرائيل،
ومحاربة الإرهاب في سيناء. من هنا مرر الكونغرس بندا في مشروع ميزانية 2015
يتيح للإدارة الأمريكية من خلاله تجاهل اشتراطات سجل الديمقراطية وحقوق
الإنسان كي تستأنف المساعدات العسكرية لمصر. فقد أتاح الكونغرس لوزير
الخارجية استعمال ذريعة "مصالح الأمن القومي الأمريكي" بدون تحديدها،
لاستئناف المساعدات.
ويضغط لوبي كبير داخل واشنطن على إدارة أوباما لاستئناف
المساعدات. فبالإضافة للسفارة المصرية وشركة اللوبي (مجموعة جلوفر بارك)
التي تستعين بها، تقوم سفارات إسرائيل والأردن والمملكة السعودية والإمارات
المتحدة بجهود لا تتوقف في هذا الاتجاه. كذلك تقوم منظمة آيباك (أكبر
منظمات اللوبي اليهودي الأمريكية) بجهود مستمرة للترويج لما تقوم به
الحكومة المصرية في مواجهة التطرف والإرهاب داخل سيناء قرب الحدود مع
إسرائيل كمبرر لضرورة استئناف المساعدات. ونفس الموقف تتبناه العديد من
مراكز الأبحاث الموالية لإسرائيل، أو تلك التي تتلقى ملايين الدولارات
الخليجية من دول معادية للربيع العربي ومعادية لمبادئه النبيلة من حرية
وديمقراطية وعدالة اجتماعية.
أما الإعلام الأمريكي فينقسم حول القضية. صحف هامة مثل واشنطن
بوست ونيويورك تايمز تركز في افتتاحياتها المتكررة على سوء أوضاع حقوق
الإنسان في مصر، وتحذر أن استئناف المساعدات يبعث برسالة دعم لنظام يرونه
ديكتاتوريا. يقابلها إعلام يميني بوصلته الأساسية مصالح إسرائيل، ويضغط
باتجاه استئناف المساعدات يمثله شبكة فوكس وصحيفة واشنطن تايمز.
موقف الرئيس باراك أوباما يتأرجح بين اتجاهات متعارضة داخل
إدارته. فريق يريد استئناف المساعدات يمثله وزيرا الخارجية والدفاع، ومن
ناحية أخرى فريق مجلس الأمن القومي، على رأسهم سوزان رايس، ممن يرون أن
النظام المصري لم يقم بالحد الأدنى المتوقع منه كي يتم استئناف المساعدات.
ويدلل ما قاله أوباما خلال قمة مكافحة التطرف العنيف على وجود معضله كبيره
لتوازن الأهداف المتعارضة للإدارة، ويمكن الاشارة إليه فيما يتعلق بقرار
المساعدات لمصر. قال أوباما "إن قمع وحرمان البشر من حقوق الإنسان، وإسكات
المعارضة، واستحالة التغيير السلمي، تتسبب في تغذية التطرف والإرهاب..
.وأنه يتعين علينا إدراك أن الاستقرار الدائم والأمن الحقيقي يتطلب
الديمقراطية، ويعني ذلك إجراء انتخابات حرة ووجود نظام قضائي يلتزم بحق
القانون، وقوات أمن وشرطة تحترم حقوق الإنسان وحرية التعليم وحرية منظمات
المجتمع المدني"
.
سيتوجه وزير الخارجية جون كيري قريبا للكونغرس حاملا شهادته
بخصوص الشأن المصري. ويبدو أن أوباما سيكلف وزيره بمسك العصا من المنتصف عن
طريق استخدام ذريعة "الأمن القومي الأمريكي" دون الإقرار أن مصر تسير في
طريق الديمقراطية. ولن يمنح أوباما السيسي كل ما يطالب به. فقط بعض الأسلحة
الضرورية لمكافحة الارهاب في سيناء مثل طائرات أباتشي، وأجهزة مساعدة
وقتالية صغيرة. وفي الأغلب سيستمر تجميد شحن طائرات أف 16 التي لا ترى
واشنطن أن لها دور في محاربة الارهاب والتطرف داخل مصر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق