حذر المفكر الدكتور علي السمان رئيس لجنة الحوار والعلاقات الإسلامية بالمجلس الأعلي للشئون الإسلامية من حالة الفقر الاستشاري التي تهدد مؤسسة الرئاسة في عهد الرئيس الدكتور "محمد مرسي".
"السمان" لم يستطع إخفاء قلقه من الأيام المقبلة، وفي الوقت ذاته طالب جميع الأطراف السياسية المصرية المتناحرة بالتوقف قليلا لالتقاط الأنفاس والبحث عن صيغة توافق عاجلة للخروج من المأزق الحالي الذي يهدد الوطن باستمرار حالة القلق التي كانت هي الأكثر ظهورا طوال المرحلة الانتقالية التي انتهت -قانونيا- بوصول الدكتور "مرسي" للقصر الجمهوري.
وعن هذا القلق وما يتردد عن مطالب الدعوة السلفية بـ"كوتة" في الحكومة المنتظرة كان الحوار التالي:
> لأكثر من عام ونصف العام عاشت مصر مرحلة انتقالية.. تعليقك علي تلك الفترة وهل من الممكن أن تستمر حالة التخبط التي كانت تعيشها مصر؟
بصفة عامة يجب التعقل في الحكم علي الأمور لأننا نعيش مرحلة كل طرف من الأطراف له وجهة نظر تتعارض مع وجهة نظر الطرف الثاني، وهناك أيضا إصرار من غالبية الأفراد لعدم الذهاب إلي التوافق، لكن مما لا شك فيه هناك ثوابت والخروج عنها هو الذي يفجر المشكلات والتي من بينها فكرة احترام وتطبيق أحكام القضاء، لكن الإشكالية هنا أنه حتي رجال القانون أصابهم ما أصاب الآخرين فهناك اتجاهات متعددة ومتناقضة حتي في تقييمهم لتلك الثوابت وأعتبر أنها خلقت بلبلة في رأي عام غير مطالب أن يكون لديه ثقافة قانونية ودستورية، وستصبح هناك اتجاهات وأحزاب وجماعات تريد تسييس هذه الأمور وتتصرف وكأن هناك معركة بينها وبين المحكمة الدستورية وبالتحديد جماعة الإخوان المسلمين.
> كيف تري تراجع الرئيس مرسي فيما يتعلق بقرار إعادة البرلمان؟
أولا.. بالنسبة لرئيس الدولة لا أقول إنه تراجع في قراره بالمعني المعنوي ولكن ممكن جدا أن يتم القول بتعبير يكون في صالحه وهو أنه درس جيدا الموقف وأمام الحكم الثاني للمحكمة الدستورية برفض قرار رئيس الدولة والتمسك بحل مجلس الشعب أن لغة العقل تقول إنه لا يوجد طرف أعلي من القضاء والقانون.
وإعادة التقييم صفة جيدة حتي لا يذهب الإنسان إلي اختيار حالة الصراع المستمر إنما الموقف الذي يجب ألا ننسي تقييمه هو الموقف الهادئ والصامت للمجلس العسكري.
> بما تقيم ما وصفته بـ"الموقف الصامت" من جانب "العسكري"؟
المجلس العسكري حينما اجتمع 5 ساعات ليبحث ماذا سيكون موقفه من قرار رئيس الدولة بالحل؟ اختار الصمت ولم يكن هذا الصمت بالصدفة ولكنه صمت ليقول إنه نفس الجهة التي تقيم قانونية قرار رئيس الدولة وسيترك ذلك للمحكمة الدستورية أولا، وبعد أن أصدرت قرارها واستجاب البرلمان إلي الوضع القائم أصدر رئيس المجلس العسكري المشير طنطاوي بيانا أعلن فيه تمسكه بالثوابت أي أنهم متواجدون لكي يطبقوا الإعلان الدستوري المكمل، وان ما قام به المشير تجاه الحل كان إجراء تنفيذيا شكليا لأن الموقف السياسي وقتها يقول وكأن المجلس العسكري هو الذي حل البرلمان وهذا غير صحيح لأن القضاء أصدر الحكم وباقي المجلس العسكري هو الجهة التنفيذية التي تؤشر عليه بالتنفيذ ليس أكثر ولذلك اكتفي بقرار رئيس الدولة.
> تقييمك للدكتور محمد مرسي خلال الأيام الماضية؟
بأمانة هو رجل واضح، واختار في خطابه أمام الميدان مقولة " انني سأكون مع من صوت لي ومن صوت ضدي" وهكذا يقولها أمام أنصاره ثم خلق نوعا من الشرعية الجديدة وهي شرعية العلم بذهابه إلي جامعة القاهرة، وهذه حقيقة شعرت حينها بالاطمئنان لمسلكه بأن قراراته واختياراته نابعة من عقيدته ورغبته وهذا تعبير استمده من طموحه أن يكون رئيسا للمصريين جميعا وليس رئيس جمهورية الإخوان المسلمين فهذا هو المنطق الطبيعي لشرعية انتخابه والمنطق أيضا للطموح الإنساني أن يكون رئيسا للجمهورية، وما أتي بعد ذلك أقلقني لعدة اعتبارات، الاعتبار الأول بحكم معرفتي بمؤسسة الرئاسة وحكم المرحلة التي عملت بها مستشارا مع الرئيس السادات ثم مديرا لمكتب رئيس الوزراء وقتها أيضا أحسست أنه ليس حوله مجموعة من المستشارين يتمتعون بحس عال وإلا فلم يكن سيذهب إلي هذا النوع من القرار.
أما الاعتبار الثاني أنه أعطي رسالة أن انتماءه ما زال للإخوان وليس لمصر لأنه أراد بهذا القرار أن تنحاز لما أصاب الإخوان من جٌرح بحل الإخوان.
> كيف تري شكل العلاقة بين "مرسي" وحكومة "الجنزوري"؟
ما أقلقني أيضا وهو ما اسميه بلغتي "الديانة بتوع مرسي" وهم ممن يقولون إنهم أعطوه ربع مليون صوت وبعد ذلك نصف مليون ويريدون منه أربع حقائب حتي هذه من ناحية الذكاء السياسي يجب أن نؤجل هؤلاء "الديانة" ونترك "الجنزوري" كما هو ونري كيفية الانتهاء من هؤلاء "الديانة" بعد وليس قبل ولكن داخل هذه اللعبة السياسية فهل هم سيصبرون؟ وهل مرسي قادر علي أن يفرض هذا؟ هذه كلها تعتبر مسائل سهلة لمن هو علي الجبهة ونعلم انه هو المتواجد بالفعل علي هذه الجبهة وهو من بيده أن يقرر.
> هل تقصد من كلامك أن مؤسسة الرئاسة بوضعها الحالي فقيرة؟
كلمة مؤسسة الرئاسة في حالة الدكتور مرسي بالذات تحتاج إلي وجود كم من المستشارين بمستوي عال وهذا لم أره حتي الآن فما يقال حاليا وليس لدي أدلة فيها عن الدور العالي والنشط لـ"خيرت الشاطر" فدوره يبدو مؤثرا فيما تم اختياره من معارضين لرئيس الدولة بدءا من رئيس ديوان رئيس الجمهورية فلم أر حتي الآن وجودا يطمئنني أن الرجل تتم معاونته علي المستوي القومي للمشاكل أما النقطة الثانية أن البرامج التي وضعها كان بها خطأ في الاستجابة علي بعض المطالب السريعة مثل النظافة والنهوض بالتعليم والمشاكل الفئوية الخفيفة وفي حدود تجربتي السابقة هذه مهام يجب أن يقوم بها المحافظون والوزراء ولكن مرسي مهامه تكون علي مستوي أعلي في التخطيط للدولة وتوجهها، فرقم واحد نريد عودة الأمن والاستقرار وربطه بعجلة الإنتاج وكان نفسي أن برنامج الـ100 يوم يقول كيف نعيد الأمن والاهتمام بتحقيق هذه النقاط ولكنه ذهب إلي مواضيع لها قبول شعبي ولكنها ليست من اختصاص رئيس الدولة بل عليه أن يهتم باستراتيجية أكبر وأبعاد قومية أكبر.
> ماذا عن الأقاويل التي تتردد وتؤكد أن مكتب الإرشاد يلعب دورا كبيرا في دولة "مرسي"؟
ليس لدي معلومات خاصة تقول ولكن من الطبيعي أن لمرشد الإخوان وجماعته رأيا وعلاقته جيدة بينه وبين رئيس الدولة وبالتالي من الطبيعي أن يكون هناك رأي ومشورة تذهبان إلي مرسي، لكن أتمني فقط من الطرفين، ولي فيهم أصدقاء كثيرون خاصة مهدي عاكف وهو من أقربهم عندي، النظر لمصلحة الدولة وأن يعطي لمرسي حرية الحركة لكي يستقر في ضمير هذا الشعب أنه فعلا رئيس الجمهورية، وأنه يجب أن يترك للرجل مساحة إبداء الرأي بنفسه وأن يكون هو مقتنعا بأهمية منصبه وعلي مستوي الواقع ليس سهلا فهم يقولون" نحن أصحاب الفضل بأن يأتي هذا الرجل إلي كرسي الرئاسة".
> كيف تري شكل العلاقة المستقبلية بين المجلس العسكري والرئيس مرسي؟
الأكيد أن المجلس العسكري يريد أن يحتفظ بما تقرر داخل الإعلان الدستوري المكمل وأن يمارس مسئوليته حتي تاريخ الانتهاء من الدستور وأعتقد أن الدكتور محمد مرسي كشخص مؤمن أن مسئولياتهم محددة في ممارسة السلطة التشريعية ولكن أتمني في تقييمه الشخصي لدور القوات المسلحة أن يضع في الاعتبار أن المجلس العسكري ليس جماعة وليس حزبا إنما يمثل القوات المسلحة ككل وحينما نتكلم عن كلمة القوات المسلحة يجب أن نضع في الاعتبار تاريخ هذا الجيش المعروف للجميع فهو يتعامل مع مؤسسة وطنية وقومية الهدف كما أنه أهم أنها مؤسسة قوية ومنظمة وهذا ما جعله يدخل في مشاغبات غير عادلة.
ومن كان يقول إنه يجب سرعة تسليم السلطة هو يعرف جيدا أنها لن تستمر لأن في كل دول الربيع العربي العالم كله سعد وفرح بهذه الثورات ثم جاء ما بعد الثورات وانقسمت هذه الدول وعادت إلي نظام قبلي وهي في سبيلها إلي الانقسام الجغرافي ومصر لن يمكن أن هذا يصدق فيها الانقسام لسبب واحد موضوعي وواقعي أن هناك بلدا ووطنا قويا علي الأرض إذن من مصلحة مرسي أن يبقي علي نوعية علاقة عالية لجيش ليس له أهداف غير الأهداف المنوط بها والقومية.
> هل يعني هذا أنه من حقهم أن نكرم المجلس العسكري؟
أتمني دون غرور أن يستفيد إلي ما اقترحته له بأن يتم إعطاء وشاح للمشير طنطاوي ونجمة سيناء إلي جميع أعضاء المجلس العسكري بمن فيهم خدماء المجلس لأن هناك أشخاصاً خارج المجلس من حقهم التكريم مثل محافظ الوادي الجديد وكل من شارك لأن ما فعلوه شيء كبير للدولة، والجيش صاحب الفضل الأول والأكبر في حماية هذه الدولة فمنذ أن خرج ببيانه الأول ليقول لن نطلق الرصاص علي المتظاهرين تم نزع السلاح منهم علي الفور.
> ماذا عن قلق الأقباط من صعود التيار الإسلامي ووصول أحد رجاله للمقعد الرئاسي؟
أولا أنا أفهم قلقهم وبالذات من بعض التيارات التي تريد أن تطمئنهم مثلا فيقال إن لغة العقل تقول أن يتم تعيين ثلاثة نواب منهم، وسبق أن كتبت في أحد أعمدتي أنني أرشح منير فخري عبد النور نائبا لرئيس الجمهورية فهو شخصية مقبولة كثيرا وكان يمكن أن تصل نفس المنطقة إلي الرئيس الحالي.
والقلق والإحباط مفهوم والطرف الذي يقلق له أسباب مفهومة ووحدة هذا الوطن هدف قومي أسميه بلغتي رقم واحد إذن أفهم قلق الأقباط من بعض الاتجاهات ذات التيار الإسلامي ومن بعض مطالبات الجانب السلفي بالذات غير مقبولة إطلاقا.
> تعالت خلال الأيام القليلة الماضية أصوات من داخل المعسكر السلفي تطالب بـ"كوتة" في الحكومة الجديدة.. وطالب بعدة وزارات في مقدمتها وزارة "التربية والتعليم".. تعليقك؟
علي المستوي الشخصي أقول إنه مرفوض تماما فمثلا التعليم أهم من وزارة الدفاع لان وزير الدفاع سيأتي تنظيما من المؤسسة العسكرية،أما وزير التعليم فهو مستقبل مصر فلابد أن يكون مهنيا في المقام الأول وبشكل عال ولا أقول سلفيا أو اخوانيا أو أي شئ آخر ولكنني أريده مهنيا وتربويا.
> رؤيتك للجمعية التأسيسية الثانية للدستور؟ وهل من الممكن أن تنحل؟
أعتقد أنه يجب إعادة صياغتها من جديد وأتمني أن يصدر حكم بحلها لأنها غير مؤهلة لإعداد الدستور.
> لكن البعض يري أن مثل هذا الأمر من الممكن أن يعطل عملية صياغة الدستور..إلي أي مدي تتفق مع هذا الرأي؟
بالعكس.. لم أجد في هذه الجمعية أي تمثيل لكلمة الشرعية والمفروض أنها جزء من تقاليد العالم كله ولابد أن تشمل جميع شرائح المجتمع منهم رجال القانون ولذلك لدي قلق من انقسام رجال القانون.
ولا أعتقد أننا في احتياج إلي وقت طويل، وشخصيا أكون مطمئنا إلي موضوعية قرار المجلس العسكري لأنه عندما يأتي للتنفيذ سينفذ أكيد لاعتبارات قومية بحتة ولا ننسي أن المشكلة بدأت حينما بدأ البرلمان باختيار العناصر واكتشف أن المجتمع كله أن معظم العناصر تأتي من نفس التيار فاستقال الكثيرون.
> هل تتفق مع الآراء التي تؤكد أن الأزهر الشريف يتعرض لمخطط تحجيم كبير؟
هناك محاولات ولكنها غير واضحة للنيل من دور الأزهر،ولكن لن يستطيع كائن من كان إلغاء تاريخ ألف عام، ثانيا علينا أن نكون منصفين ونقول إن لدينا فرصة تاريخية مع إمام الأزهر لأول مرة يجمع رأي علماء الدين مع مثقفي مصر في مؤسسة واحدة، وما هو أهم أن الدكتور أحمد الطيب هو الذي أصر علي إنشاء هيئة كبار العلماء اي يأتي بشيخ الأزهر بالانتخاب في حين أنه معين من رئيس الجمهورية وإذا عين فلن تستحيل إقالته وهو في وضع مستقل، ولدينا أيضا في المؤسسة الدينية فرصة لا تعوض فبجانب شيخ الأزهر هناك المفتي بعلمه واستجابة الناس له.
> كنت واحدا من المقربين للفريق أحمد شفيق واللواء عمر سليمان هل تري أن سفرهما الآن إلي الإمارات يعتبر هروبا؟ وما دورهما السياسي في الوقت الحالي؟
لا أحب تعبير المقرب ولكن مع شفيق كنت أعتقد أن تجربته السياسية الداخلية جيدة وعمر سليمان بحكم تجربتي الطويلة أعتبر أن المرحلة الأولي للدولة كانت في احتياج شديد لمثل هذا الشخص الذي يستطيع السيطرة علي عودة الأمن بشكل سريع، ومسألة سفرهما أعتقد أن عمر سليمان سافر لأسباب صحية وولي العهد عرض عليه أن يجري العملية لديه ولحق به بعض الأطباء وسيرجع مرة أخري.
وفي حدود معرفتي فرحلة أحمد شفيق هي رحلة ترويح عن النفس بعد الجهد الذي بذله في مرحلة الانتخابات وقبلها الجهد الذي بذله في رئاسة الوزراء وقد يكون من الخير أن ننتهي وأن يكون لدينا حزبان في الدولة حزب يمثل التيارات الإسلامية والحزب الآخر يمثل التيارات المدنية بمن فيهم الأشخاص الذين صوتوا لشفيق لكي نصبح مثل أمريكا وإنجلترا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق