كتب- محمد قاسم:
في رواية تاريخية جديدة لقضية جزيرتي "تيران وصنافير"، نشر الدكتور خالد فهمي، استاذ التاريخ الحديث بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وقائع جديدة تثبت أن الجيش المصري كان يُعسكر في الجزيرتين قبل حرب يونيو ١٩٦٧.

وأرفق فهمي، صورة وشهادة لضابط جيش وقت حرب يونيو ١٩٦٧ كان ضمن الجنود البواسل الذين تم أسرهم في الحرب- بحسب ما نشره الاستاذ الزائر بجامعة هارفورد ببريطانيا على حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.

ويعد فهمي أحد مؤرخي التاريخ الشعبي الذي يهتم بالروايات الشعبية عن أحداث التاريخ وهو ما يعرف اكاديميا بالتاريخ من أسفل، باعتبار أن التاريخ من أعلى ينقل الروايات الرسمية فقط، وهو الذي ظهر في كتابه " كل رجال الباشا".

وأكد فهمي أن الصورة المنشورة تتبع الفصيلة المصرية التي كانت تحمي جزيرة تيران حتى يوم ٦ يونيو ١٩٦٧ حين وقعت في أسر الجيش الإسرائيلي.

وذكر فهمي أنه حتى حرب ١٩٥٦، لم يُسمح لإسرائيل بالمرور عبر مضيق تيران الموجود في خليج العقبة، ولكن كان من أهم نتائج الانتصار العسكري الحاسم الذي حققته إسرائيل في حرب ١٩٥٦ أن ضمنت لنفسها حق مرور سفنها عبر المضيق، وأنه قد دعمت الولايات المتحدة هذا الضمان، وقد حمته قوات تابعة للأمم المتحدة.

وأضاف فهمي، أن الشعب المصري، "أثناء نشوته بالـ"نصر" تغافل عن هذه الحقيقة، أو لم يعرها انتباها، وهو التفسير الذي أميل له، لم يتم إعلانه بتلك التفاصيل أصلا".

وتابع "لنقفز ليونيو سنة ١٩٦٧، ودعونا نقرأ الكلمات المؤلمة التي رواها أحد الضباط المصريين الذين شاركوا في الدفاع عن شرم الشيخ، والذي وصف ملابسات أسر الفصيلة المصرية التي كانت تحمي جزيرة تيران".

وقال إن الضابط اسمه "محمد عبد الحافظ"، أحد رجال المظلات في شرم الشيخ، والذي أدلى بشهادته في كتاب "ضباط يوليو يتكلمون: كيف شاهد جنود مصر هزيمة ٦٧؟" تحرير عصام دراز (المنار الجديد، ١٩٨٩)، ص ١٣٩-١٤١:

يقول الضابط: "في يوم ١٤ مايو بدأت حالة التعبئة العامة والحشر في كل الجيش، وأمرنا بالتحرك لشرم الشيخ، صدر لنا الأمر يوم ٢٢ مايو بإغلاق مضيق تيران، وأنا كضابط بالجيش لم أكن أعلم حتى هذه اللحظة أن منطقة شرم الشيخ ومضايق تيران منطقة دولية وليس لنا سيطرة عليها وأن إسرائيل تمر بطريقة طبيعية".

تابع الضابط قوله: "عندما صدر أمر بإغلاق مضيق تيران تم نقل فصيلة مظلات بالهليكوبتر بقيادة ضابط اسمه حرب، احتلت هذه الفصيلة جزيرة تيران، صدرت لنا تعليمات بأن أي مركب تعبر المضيق نطلق عليها طلقة تهديد على مسافة بعيدة، إذا لم تتوقف نطلق طلقة أخرى أقرب وهكذا".

وأضاف "طبعا كان الوضع متوترا، لأننا علمنا أن غلق مضيق تيران بهذه الصورة معناه الحرب، غلق مضيق تيران معناه إعلان الحرب فعلا، لم نكن نعلم ذلك في ذلك الوقت ولكننا كنا ننفذ الأوامر الصادرة لنا دون مناقشة أو فهم".

وتابع: "وفي يوم ٥ يونيو كان يوما عاديا، كان بعضنا يذهب للسباحة في مياة الخليج، نشاط عادي، سمعنا في الإذاعة أن العدو بدأ الهجوم وأننا دمرنا الطيران الإسرائيلي، بدأنا نتعجب كيف يبدأ الجيش المصري الحرب دون أن نشارك فيها؟، وفي حوالي الساعة الخامسة مساء ٦ يونيو طلب اللواء عبد المنعم خليل من الضباط الاجتماع فورا".

واستطرد قائلًا: "في هذا الاجتماع أخبرنا بأنه قد صدر له الأمر بالانسحاب فورا لتعزيز خط الدفاع الثاني. أصبنا بحالة وجوم، الإذاعة لا زالت تذيع أناشيد النصر وبيانات تبشرنا بتدمير طيران إسرائيل، وهتافات وشعارات في الإذاعة. قواتنا على مشارف تل أبيب".
وتابع: "كانت هناك مشكلة أن معظم القوات الموجودة حضرت بالطائرة ولا توجد سيارات كافية للعودة إلى السويس، بعض الضباط أثار هذه المشكلة، فكان الرد هو أن تعطى الأولوية للفرد المقاتل، ثم للسلاح، ثم للمعدات".

يقول: "المشكلة الثانية التي ظهرت هي أن الوقود الذي معنا لا يكفي لتحرك كل هذه القوات مرة واحدة للسويس، فالمسافة للسويس حوالي ٤٠٠ كيلومتر، ولم يكن هناك أي تصور لـكيفية العودة بهذه السرعة".

وأضاف "كان الرد هو ضرورة تنفيذ أمر الانسحاب فورا على أي وضع، وإذا توقفت السيارات في الطريق، نكمل باقي الرحلة سيرا على الأقدام، واقترح بعض الضباط وأنا منهم اقتراحا آخر، إذا كانت الحرب بدأت فعلا، لماذا لا نقوم بالاتجاه نحو إيلات والهجوم عليها بدلا من الانسحاب للسويس، فلنهجم على إيلات وإذا نجحنا نخترق إسرائيل من الجنوب، من صحراء النقب".

واستطرد قائلًا: "كان الرد هو أن أمر الأوامر صدرت بالانسحاب وليس بالتقدم، وفي رأيي فالانسحاب كان خطأ جسيما من القيادة سواء السياسية أو العسكرية، أنا أقول كمقاتل مصري إنه كان من الممكن تغيير مسار الحرب إلى حد كبير، على الأقل تقليل حجم الهزيمة، لك أن تتخيل دخول عشرة آلاف جندي مظلات إلى إيلات وقيامها بعمليات جنوب صحراء النقب، لك أن تتخيل ذلك".
ويقول الضابط: "ثم أثيرت نقطة أخرى، وهو موقف الفصيلة التي تحتل جزيرة تيران، فالوقت الآن ليلا، ولا يمكن سحبها بالهليكوبتر ليلا، ولا يمكن الاتصال بها لأن الاتصال يتم بواسطة الطائرة صباحا، كان الرد أن هذا الوضع سنتركه للقيادة في مصر، فأوامر الانسحاب هي الانسحاب الفوري، والقيادة في مصر سوف تتصرف، وترسل مراكب صيادين تحملهم".

وأضاف الضابط في شهادته: "الذي حدث لهذه الفصيلة أن في اليوم التالي لانسحابنا وصلت مركب صيادين لحملهم، ولكن لأن قائد هذه الفصيلة لم يكن لديه أي فكرة عن تطور الأحداث فقرر الاتجاه إلى شرم الشيخ بدلا من الغردقة، وبالطبع لم يكن لنا أي قوات في شرم الشيخ بعد انسحابنا، وبالتالي وقع في أسر القوات الإسرائيلية هو وفصيلته بالكامل".

وتابع: "أنا لا أستطيع أن أصف شعورنا أثناء الانسحاب من شرم الشيخ، كلنا نكاد نبكي ولا نصدق ما حدث، ولم نشاهد أي جندي إسرائيلي طول انسحابنا".